في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن :

( لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) . .

وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات ، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن : وحيا وحفظا وجمعا وبيانا ؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته . ليس للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من أمره إلا حمله وتبليغه . ثم لهفة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه ؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص ، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة ، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته ، ويتثبت من حفظه له فيما بعد !

وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

{ لا تحرك به } بالوحي { لسانك لتعجل به } كان جبريل عليه السلام إذا نزل بالقرآن تلاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل فراغ جبريل كراهية أن ينفلت منه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

قوله تعالى : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " في الترمذي : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه ، يريد أن يحفظه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " قال : فكان يحرك به شفتيه . وحرك سفيان شفتيه . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . ولفظ مسلم عن ابن جبير عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، كان يحرك شفتيه ، فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ، فقال سعيد : أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما ، فحرك شفتيه . فأنزل الله عز وجل : " لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه " قال جمعه في صدرك ثم تقرؤه : " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه "

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

ولما كان معنى هذا كله أن الإنسان محجوب في هذه الدار عن إدراك الحقائق بما فيه من الحظوظ والكسل والفتور ، لما فيه من النقائص ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبرءاً من ذلك لخلق الله-{[70191]} له كاملاً وترقيته بعد ميلاده كل يوم في مراقي الكمال حتى صار{[70192]} إلى حد لا يشغله عن العلوم-{[70193]} شيء فكان بحيث يرى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر ، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه ، ويقول : " والله لا يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم إني أراكم من وراء ظهري " و{[70194]}كان صلى الله عليه وسلم يرى{[70195]} في أشد الظلام وغير ذلك مما له صلى الله عليه وسلم {[70196]}من رقة الجوهر الذي لم ينله أحد غيره ، وذلك{[70197]} مما يدل على الكشف التام ولكنه كان{[70198]} صلى الله عليه وسلم لتعظيمه لهذا القرآن لما له في نفسه من الجلالة{[70199]} ولما فيه من خزائن السعادة والعلوم التي لا حد لها فتستقصى ، ولأنه كلام الملك الأعظم ، وبأمره نزل إليه {[70200]}صلى الله عليه وسلم مع رسوله جبريل عليه الصلاة والسلام{[70201]} ، يعالج عند سماعه أول ما يأتيه شدة ، فكان يحرك به لسانه استعجالاً بتعهده ليحفظه ولا يشذ عنه منه شيء ، وكان قد ختم سبحانه ما قبلها بالمعاذير ، وكانت العجلة مما يعتذر عنه{[70202]} ، وكان الحامل على جميع ما يوجب الملامة والاعتذار ما{[70203]} طبع عليه الإنسان من حب العاجل ، قال سبحانه نتيجة عن هذه المقدمات الموجبة لانكشاف الأشياء للإنسان الموجب للإخبار بها والخوف من عواقبها لئلا يميل إلى العاجلة ولا يقع في مخالفة لولا ما شغله{[70204]} به من الحجب إعلاماً بأنه سبحانه وتعالى قد دفع عن النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحجب وأوصله من رتبة{[70205]} " لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً " إلى أنهاها ، وبأنه قادر على ما يريد من كشف ما يريد لمن يريد كما يكشف لكل إنسان عن أعماله في القيامة حتى يصير يعرف{[70206]} ما قدم منها{[70207]} وما أخر ، وتنبيهاً على أنه{[70208]} صلى الله عليه وسلم لا كسب له في هذا القرآن بغير حسن{[70209]} التلقي إبعاداً له عن قول البشر وتمهيداً بما يحرك من لسانه بالقرآن قبل تمام الإلقاء لذم ما طبع عليه الإنسان : { لا تحرك به } أي القرآن الذي هو تذكرة من شاء ذكره لولا حجاب المشيئة ، وقد كشف سبحانه وتعالى حجاب المشيئة لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وشاء أن يذكره حين قال

( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله }[ الإنسان : 30 ] لأنه {[70210]}ما نزله{[70211]} إليه بغير اكتساب منه إلا وقد شاء ذلك { لسانك } الذي ليست{[70212]} له حركة إلا في ذكر الله تعالى .

ولما لم يكن لهذا التحريك فائدة مع حفظ الله له على كل حال إلا قصد الطاعة بالعجلة ، وكانت العجلة هي الإتيان بالشيء قبل أوانه الأليق به ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم مثاباً على ذلك أعظم الثواب لأنه لا حامل له عليه إلا حب الله وحب ما يأتي منه ، وجعلها الله سبحانه وتعالى علة وإن لم تكن مقصودة فقال : { لتعجل به } أي بحمله وأخذه قبل أن يفرغ{[70213]} من إلقائه إليك{[70214]} رسولنا جبريل عليه الصلاة والسلام مخافة أن ينفلت منك ، لأن هذه العجلة وإن كانت من الكمالات بالنسبة إليك وإلى إخوانك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال موسى عليه الصلاة والسلام :

{ وعجلت إليك رب لترضى }[ طه : 84 ] لأنها من النفس اللوامة التي تلوم على ترك المبادرة إلى أفعال الخير فغيرها من أفعال المطمئنة أكمل منها ، فنقل صلى الله عليه وسلم من مقام كامل إلى{[70215]} أكمل منه ، وكان هذا الكلام{[70216]} المتعلق بالقرآن والذي بعده فرقاناً بين صفتي اللوامة في الخير واللوامة في الشر ، والآية ناظرة{[70217]} إلى قوله تعالى في المدثر حكاية " إن هذا إلا قول البشر " وما بينهما اعتراض في وصف حال القيامة جر إليه قوله تعالى :

{ سأصليه سقر }[ المدثر : 26 ] أي أن الذي خيل به المتقول{[70218]} في القرآن أمران : أحدهما أنه سحر والآخر أنه قول البشر ، والعلم اليقين حاصل بانتفاء الأول ، وأما الثاني فكان النبي{[70219]} صلى الله عليه وسلم يخشى أن لا يتقن حفظه فتدخل عليه كلمة مثلاً فيكون من قول البشر فنهاه الله تعالى عن العجلة وضمن له الحفظ ،


[70191]:زيد من ظ و م.
[70192]:زيد في الأصل: في ميلاده، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70193]:زيد من ظ و م.
[70194]:في ظ و م: يرى صلى الله عليه وسلم.
[70195]:في ظ وم: يرى صلى الله عليه وسلم.
[70196]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[70197]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[70198]:زيد من ظ و م.
[70199]:من ظ و م، وفي الأصل: الحلاوة.
[70200]:ما بين الرقمين في ظ و م: مع رسوله صلى الله عليه وسلم.
[70201]:ما بين الرقمين في ظ و م: مع رسوله صلى الله عليه وسلم.
[70202]:من ظ و م، وفي الأصل: عنها.
[70203]:من ظ و م، وفي الأصل: بما.
[70204]:من ظ و م، وفي الأصل: يشغله.
[70205]:من ظ و م، وفي الأصل: رتبته.
[70206]:زيد في الأصل: بها، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70207]:من ظ و م، وفي الأصل: منه.
[70208]:في ظ و م: أن النبي.
[70209]:من ظ و م، وفي الأصل: حسب.
[70210]:من ظ و م، وفي الأصل: نزل.
[70211]:من ظ و م، وفي الأصل: نزل.
[70212]:من ظ و م، وفي الأصل: ليس.
[70213]:زيد في الأصل: الملك، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70214]:زيد في الأصل وهو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70215]:زيد في الأصل: مقام، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70216]:من ظ و م، وفي الأصل: الكمال.
[70217]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهرة.
[70218]:من ظ و م، وفي الأصل: المتقوم.
[70219]:سقط من ظ و م.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

قوله تعالى : { لا تحرّك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه 17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19 كلا بل تحبون العاجلة 20 وتذرون الآخرة 21 وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 ووجوه يومئذ باسرة 24 تظن أن يفعل بها فاقرة } .

قوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي بشيء من القرآن بادر إلى أخذه فكان يسابق الملك في تلقيه وقراءته ولم يصبر حتى يتم الوحي القراءة مسارعة منه إلى الحفظ ، وخشية من أن يتفلّت منه ، فأمره الله بالاستنصات للوحي ملقيا له إليه بقلبه وسمعه حتى يقضى إليه وحيه . والمعنى : لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبيرل ( عليه السلام ) يقرأه عليك { لتعجل به } أي لتأخذه على عجلة وكيلا يتفلّت منك .