في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

100

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك . منها قائم وحصيد . وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ؛ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب . وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة . إن أخذه أليم شديد . .

ومصارع القوم معروضة ، ومشاهدهم تزحم النفس والخيال ؛ منهم الغارقون في لجة الطوفان الغامر ، ومنهم المأخوذون بالعاصفة المدمرة ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفت به وبداره الأرض ، ومنهم من يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار . وما حل بهم من قبل في الدنيا يخايل للأنظار . . في هذا الموضع وقد بلغ السياق من القلوب والمشاعر أعماقها بتلك المصارع والمشاهد . . هنا يأتي هذا التعقيب :

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم و حصيد ) .

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك ) . . فما كان لك به من علم ، إنما هو الوحي ينبئك بهذا الغيب المطمور . وذلك بعض أغراض القصص في القرآن .

( منها قائم ) . . لا تزال آثاره تشهد بما بلغ أهله من القوة والعمران ، كبقايا عاد في الأحقاف وبقايا ثمود في الحجر . ومنها( حصيد )كالزرع المحصود . اجتث من فوق الأرض وتعرى وجهها منه ، كما حل بقوم نوح أو قوم لوط .

وما الأقوام ؟ وما العمران ؟ . . إن هي إلا حقول من الأناسي كحقول النبات . غرس منها يزكو وغرس منها خبيث ! غرس منها ينمو وغرس منها يموت !