البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

التتبيب التخسير ، تب خسر ، وتبه خسره .

وقال لبيد :

ولقد بليت وكل صاحب جدة *** يبلى بعود وذاكم التتبيب

{ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد .

وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب } : الإشارة بذلك إلى ما تقدم من ذكر الأنبياء وقومهم ، وما حل بهم من العقوبات أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى .

ويحتمل أن يعني بالقرى قرى أولئك المهلكين المتقدم ذكرهم ، وأن يعني القرى عموماً أي : هذا النبأ المقصوص عليك هو ديدن المدن إذ كفرت ، فدخل المدن المعاصرة .

والضمير في منها عائد على القرى .

قال ابن عباس : قائم وحصيد عامر كزغر وداثر ، وهذا على تأويل عموم القرى .

وقال قتادة وابن جريج : قائم الجدران ومنهدم ، وهذا على تأويل خصوص القرى ، وأنها قرى أولئك الأمم المهلكين ، وقال الزمخشري : بعضها باق وبعضها عافى الأثر كالزرع القائم على ساقه ، والذي حصد انتهى .

وهذا معنى قول قتادة ، قال قتادة : قائم الأثر ودارسه ، جعل حصد الزرع كناية عن الفناء قال الشاعر :

والناس في قسم المنية بينهم *** كالزرع منه قائم وحصيد

وقال الضحاك : قائم لم يخسف ، وحصيد قد خسف .

وقال ابن إسحاق : قائم لم يهلك بعد ، وحصيد قد أهلك .

وقيل : قائم أي باق نسله ، وحصيد أي منقطع نسله .

وهذا يتمشى على أن يكون التقدير ذلك من أنباء أهل القرى .

وقد قيل : هو على حذف مضاف أي : من أنباء أهل القرى ، ويؤيده قوله : وما ظلمناهم ، فعاد الضمير على ذلك المحذوف .

وقال الأخفش : حصيد أي محصود ، وجمعه حصدى وحصاد ، مثل : مرضى ومراض ، وباب فعلى جمعاً لفعيل بمعن مفعول ، أن يكون فيمن يعقل نحو : قتيل وقتلى .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما محل هذه الجملة ؟ قلت : هي مستأنفة لا محل لها انتهى .

وقال أبو البقاء : منها قائم ابتداء ، وخبر في موضع الحال من الهاء في نقصه ، وحصيد مبتدأ خبره محذوف أي : ومنها حصيد انتهى .

وما ذكره تجوز أي : نقصه عليك وحال القرى ذلك ، والحال أبلغ في التخويف وضرب المثل للحاضرين أي : نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحال يشاهدون فعل الله بها .