اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

قوله : { ذلك من أنباء القرى نقصه } الآية .

" ذلك " إشارة إلى الغائبِ ، والمرادُ منه ههنا الإشارة إلى القصص المتقدمة ، وهي حاضرة إلاَّ أنَّ الجواب عنه تقدَّم في قوله : { ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] .

ولفظ " ذلك " إشارة إلى الواحد والجماعة ، كقوله : { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } [ البقرة : 68 ] .

ويحتمل أن يكون ذلك الذي ذكرناهُ هو كذا وكذا .

قال الزمخشريُّ : " ذلك " مبتدأ ، و " نقُصُّهُ عليْكَ " خبرٌ بعد خبر : أي ذلك المذكور بعض أنباء القرى مقصوص عليك . وقال شهابُ الدِّين{[18975]} : يجُوزُ أن يكون " نَقُصُّه " خبراً و " مِنْ أنباء " حال ، ويجوزُ العكسُ ، قيل : وثمَّ مضافٌ محذوف ، أي من أنباءِ أهل القرى ، ولذلك أعاد الضمير عليهم في قوله : " ومَا ظَلمْنَاهُم " .

ثم قال : ويجُوزُ في " ذلك " أوجه :

أحدها : أنَّه مبتدأ كما تقدم [ هود : 49 ] .

والثاني : أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر يفسِّره " نَقُصُّه " فهو من باب الاشتغال ، أي : نقُصُّ ذلك في حال كونه من أنباء القرى ، وقد تقدَّم في قوله : { ذلك مِنْ أَنَبَاءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ } ، أوجه وهي عائدةٌ هنا .

قوله : { مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } : " حصيدٌ " مبتدأ محذوفُ الخبر ، لدلالة خبر الأوَّلِ عليه ، أي : ومنها حصيد ، وهذا لضرورة المعنى .

و " الحَصِيدُ " بمعنى المحصودِ ، وجمعه : حَصْدَى وحِصَادٌ مثل : مريضٌ ومَرْضَى ومِرَاضٌ ، وهذا قول الأخفشِ ، ولكن باب " فَعِيل " ، و " فَعْلَى " أن يكون في العقلاء ؛ نحو : قَتِيل وقَتْلَى . والضميرُ في " مِنْهَا " عائدٌ إلى القرى ، شبه ما بقي من آثار القرى وجدارنها بالزرع القائم على ساقة ، وما عفا منها وبطل بالحصيد .

والمعنى : أنَّ تلك القرى بعضها بقي منه شيء وبعضها هلك وما بقي منه أثر ألبتَّة .

قال بعضُ المفسرين : القائمُ : العامر ، والحصيدُ : الخرابُ . وقيل : القائمُ ما بقيت حيطانه ، وسقطت سقوفه ، وحصيد : انمحى أثره . وقال مقاتلٌ : قائم يرى له أثر ، وحصيد لا يرى له أثر .


[18975]:ينظر: الدر المصون 4/129.