في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (72)

65

لقد نفخ الله من روحه في هذا الكائن البشري ، لأن إرادته اقتضت أن يكون خليفة في الأرض ؛ وأن يتسلم مقاليد هذا الكوكب في الحدود التي قدرها له . حدود العمارة ومقتضياتها من قوى وطاقات .

لقد أودعه القدرة على الارتقاء في المعرفة . ومن يومها وهو يرتقي كلما اتصل بمصدر تلك النفخة ، واستمد من هذا المصدر في استقامة . فأما حين ينحرف عن ذلك المصدر العلوي فإن تيارات المعرفة في كيانه وفي حياته لا تتناسق ، ولا تتجه الاتجاه المتكامل المتناسق المتجه إلى الأمام ؛ وتصبح هذه التيارات المتعارضة خطراً على سلامة اتجاهه . إن لم تقده إلى نكسة في خصائصه الإنسانية ، تهبط به في سلم الارتقاء الحقيقي . ولو تضخمت علومه وتجاربه في جانب من جوانب الحياة .

وما كان لهذا الكائن الصغير الحجم ، المحدود القوة ، القصير الأجل ، المحدود المعرفة . . ما كان له أن ينال شيئاً من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة . . وإلا فمن هو ? إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء . وما الكوكب الأرضي إلا تابع صغير من توابع أحد النجوم . ومن هذه النجوم ملايين الملايين في ذلك الفضاء الذي لا يدري إلا الله مداه . . فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجد له ملائكة الرحمن ؛ إلا بهذا السر اللطيف العظيم ? إنه بهذا السر كريم كريم . فإذا تخلى عنه أو انفصم منه ارتد إلى أصله الزهيد . . من طين !