في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ} (2)

1

بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ، فقال الكافرون : هذا شيء عجيب . أإذا متنا وكنا ترابا ? ذلك رجع بعيد .

بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم . وما في هذا من عجب . بل هو الأمر الطبيعي الذي تتقبله الفطرة السليمة ببساطة وترحيب . الأمر الطبيعي أن يختار الله من الناس واحدا منهم ، يحس بإحساسهم ، ويشعر بشعورهم ، ويتكلم بلغتهم ، ويشاركهم حياتهم ونشاطهم ، ويدرك دوافعهم وجواذبهم ، ويعرف طاقاتهم واحتمالهم ، فيرسله إليهم لينذرهم ما ينتظرهم إن هم ظلوا فيما هم فيه ؛ ويعلمهم كيف يتجهون الاتجاه الصحيح ؛ ويبلغهم التكاليف التي يفرضها الاتجاه الجديد ، وهو معهم أول من يحمل هذه التكاليف .

ولقد عجبوا من الرسالة ذاتها ، وعجبوا - بصفة خاصة - من أمر البعث الذي حدثهم عنه هذا المنذر أول ما حدثهم . فقضية البعث قاعدة أساسية في العقيدة الإسلامية . قاعدة تقوم عليها العقيدة ويقوم عليها التصور الكلي لمقتضيات هذه العقيدة . فالمسلم مطلوب منه أن يقوم على الحق ليدفع الباطل وأن ينهض بالخير ليقضي على الشر ، وأن يجعل نشاطه كله في الأرض عبادة لله ، بالتوجه في هذا النشاط كله لله . ولا بد من جزاء على العمل . وهذا الجزاء قد لا يتم في رحلة الأرض . فيؤجل للحساب الختامي بعد نهاية الرحلة كلها . فلا بد إذن من عالم آخر ، ولا بد إذن من بعث للحساب في العالم الآخر . . وحين ينهار أساس الآخرة في النفس ينهار معه كل تصور لحقيقة هذه العقيدة وتكاليفها ؛ ولا تستقيم هذه النفس على طريق الإسلام أبدا .