البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ} (2)

{ بل عجبوا } ، وقيل : ما ردوا أمرك بحجة .

وقال الأخفش ، والمبرد ، والزجاج : تقديره لتبعثن .

وقيل : الجواب مذكور ، فعن الأخفش قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ؛ وعن ابن كيسان ، والأخفش : ما يلفظ من قول ؛ وعن نحاة الكوفة : بل عجبوا ، والمعنى : لقد عجبوا .

وقيل : إن في ذلك لذكرى ، وهو اختيار محمد بن علي الترمذي .

وقيل : ما يبدل القول لديّ ، وهذه كلها أقوال ضعيفة .

وقرأ الجمهور : قاف بسكون الفاء ، ويفتحها عيسى ، ويكسرها الحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال ؛ وبالضم : هارون وابن السميفع والحسن أيضاً ؛ فيما نقل ابن خالويه .

والأصل في حروف المعجم ، إذا لم تركب مع عامل ، أن تكون موقوفة .

فمن فتح قاف ، عدل إلى الحركات ؛ ومن كسر ، فعلى أصل التقاء الساكنين ؛ ومن ضم ، فكما ضم قط ومنذ وحيث .

{ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } : إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه ، فكان المناسب أن لا يعجبوا ، وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالى ، فأي بعد في أن يبعث من يخوف وينذر بما يكون في المآكل من البعث والجزاء .

والضمير في { بل عجبوا } عائد على الكفار ، ويكون قوله : { فقال الكافرون } تنبيهاً على القلة الموجبة للعجب ، وهو أنهم قد جبلوا على الكفر ، فلذلك عجبوا .

وقيل : الضمير عائد على الناس ، قيل : لأن كل مفطور يعجب من بعثة بشر رسولاً من الله ، لكن من وفق نظر فاهتدى وآمن ، ومن خذل ضل وكفر ؛ وحاج بذلك العجب والإشارة بقولهم : { هذا شيء عجيب } ، الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر .

وقيل : إلى ما تضمنه الإنذار ، وهو الإخبار بالبعث .

وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى المرجع .

انتهى ، وفيه بعد .