في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (10)

وبعد هذه الدعوة يعود إلى استكمال مشهد البعث الذي أكده لهم أوثق توكيد :

( يوم يجمعكم ليوم الجمع : ذلك يوم التغابن ) . .

فأما أنه يوم الجمع فلأن جميع الخلائق في جميع الأجيال تبعث فيه ، كما يحضره الملائكة وعددهم لا يعلمه إلا الله . ولكن قد يقربه إلى التصور ما جاء في حديث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - عن أبي ذر رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون . أطت السماء وحق لها أن تيط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته لله تعالى ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى . لوددت أني شجرة تعضد " . .

والسماء التي ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك . هي هذا الاتساع الهائل الذي لا يعرف له البشر حدودا . والذي تبدو فيه شمس كشمسنا ذرة كالهباءة الطائرة في الفضاء ! فهل هذا يقرب شيئا للتصور البشري عن عدد الملائكة ? إنهم من بين الجمع في يوم الجمع !

وفي مشهد من هذا الجمع يكون التغابن ! والتغابن مفاعلة من الغبن . وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم ؛ وحرمان الكافرين من كل شيء منه ثم صيرورتهم إلى الجحيم . فهما نصيبان متباعدان . وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شيء ، وليغبن كل فريق مسابقه ! ففاز فيه المؤمنون وهزم فيه الكافرون ! فهو تغابن بهذا المعنى المصور المتحرك ! يفسره ما بعده :

( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) . .