في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

وقبل أن يكمل نداءه إليهم بالإيمان يقرر قاعدة من قواعد التصور الإيماني في القدر ، وفي أثر الإيمان بالله في هداية القلب :

( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله . ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، والله بكل شيء عليم ) . .

ولعل مناسبة ذكر هذه الحقيقة هنا هي مجرد بيانها في صدد عرض حقيقة الإيمان الذي دعاهم إليه في هذا المقطع . فهو الإيمان الذي يرد كل شيء إلى الله ، ويعتقد أن كل ما يصيب من خير ومن شر فهو بإذن الله . وهي حقيقة لا يكون إيمان بغيرها . فهي أساس جميع المشاعر الإيمانية عند مواجهة الحياة بأحداثها خيرها وشرها . كما يجوز أن تكون هناك مناسبة حاضرة في واقع الحال عند نزول هذه السورة . أو هذه الآية من السورة ، فيما كان يقع بين المؤمنين والمشركين من وقائع .

وعلى أية حال فهذا جانب ضخم من التصور الإيماني الذي ينشئه الإسلام في ضمير المؤمن . فيحس يد الله في كل حدث ، ويرى يد الله في كل حركة ، ويطمئن قلبه لما يصيبه من الضراء ومن السراء . يصبر للأولى ويشكر للثانية . وقد يتسامى إلى آفاق فوق هذا ، فيشكر في السراء وفي الضراء ؛ إذ يرى في الضراء كما في السراء فضل الله ورحمته بالتنبيه أو بالتكفير أو بترجيح ميزان الحسنات ، أو بالخير على كل حال .

وفي الحديث المتفق عليه : " عجبا للمؤمن ! لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له . إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له . وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له . وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " . .

( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) . .

وقد فسرها بعض السلف بأنها الإيمان بقدر الله والتسليم له عند المصيبة . وعن ابن عباس يعني يهدي قلبه هداية مطلقة . ويفتحه على الحقيقة اللدنية المكنونة . ويصله بأصل الأشياء والأحداث ، فيرى هناك منشأها وغايتها . ومن ثم يطمئن ويقر ويستريح . ثم يعرف المعرفة الواصلة الكلية فيستغني عن الرؤية الجزئية المحفوفة بالخطأ والقصور .

ومن ثم يكون التعقيب عليها :

( والله بكل شيء عليم ) . .

فهي هداية إلى شيء من علم الله ، يمنحه لمن يهديه ، حين يصح إيمانه فيستحق إزاحة الحجب ، وكشف الأسرار . . بمقدار . .