تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (81)

{ فَلَمَّا أَلْقَوْا } حبالهم وعصيهم ، إذا هي كأنها حيات تسعى ، ف { قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ } أي : هذا السحر الحقيقي العظيم ، ولكن مع عظمته { إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } فإنهم يريدون بذلك نصر الباطل على الحق ، وأي فساد أعظم من هذا ؟ ! !

وهكذا كل مفسد عمل عملاً ، واحتال كيدًا ، أو أتى بمكر ، فإن عمله سيبطل ويضمحل ، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما ، فإن مآله الاضمحلال والمحق .

وأما المصلحون الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى ، وهي أعمال ووسائل نافعة ، مأمور بها ، فإن الله يصلح أعمالهم ويرقيها ، وينميها على الدوام ، فألقى موسى عصاه ، فتلقفت جميع ما صنعوا ، فبطل سحرهم ، واضمحل باطلهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (81)

ونظم الكلام على هذا الأسلوب بجَعْلِ { ما جئتم } مسنداً إليه دون أن يجعل مفعولاً لفعللِ { سيبطله } ، وبجَعْله اسماً مُبهماً ، ثُم تفسيره بجملة { جئتم به } ثم بيانه بعطف البيان لقصد الاهتمام بذكره والتشويق إلى معرفة الخبر ، وهو جملة { إن الله سيبطله } ثم مَجيء ضمير السحر مفعولاً لفعل { سيبطله } ، كل ذلك إطناب وتخريج على خلاف مقتضى الظاهر ، ليتقرر الإخبار بثبوت حقيقة في السحر له ويتمكَّن في أذهان السامعين فَضل تمكن ويقع الرعب في نفوسهم .

وقوله : { السحر } قرأه الجمهور بهمزة وصل في أوله هي همزة ( ال ) ، فتكون ( ما ) في قوله : { ما جئتم به } اسم موصول ، والسحرُ عطفَ بيان لاسم الموصول . وقرأه أبو عمرو ، وأبو جعفر { آلسحر } بهمزة استفهام في أوله وبالمد لتسهيل الهمزة الثانية ، فتكون ( ما ) في قوله : { ما جئتم به } استفهامية ويكون ( آلسحرَ ) استفهاماً مبيناً لِ ( ما ) الاستفهامية .

وهو مستعم في التحقير . والمعنى : أنه أمر هين يستطيعه ناس كثيرون .

و { إن الله سيبطله } خبر ( ما ) الموصولة على قراءة الجمهور ، واستئناف بياني على قراءة أبي عمرو ومن وافقه وتأكيد الخبر ب ( إن ) زيادة في إلقاء الرّوع في نفوسهم .

وإبطاله : إظهار أنه تخييل ليس بحقيقة ، لأن إظهار ذلك إبطال لما أريد منه ، أي أن الله سيبطل تأثيره على الناس بفضح سره ، وأشارت علامة الاستقبال إلى قرب إبطاله ، وقد حصل ذلك العلم لموسى عليه السلام بطريق الوحي الخاص في تلك القضية ، أو العام باندراجه تحت قاعدة كلية ، وهي مدلول { إن الله لا يصلح عملَ المفسدين } .

فجملة : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } معترضة ، وهي تعليل لمضمون جملة { إن الله سيبطله } ، وتذييل للكلام بما فيه نفي الإصلاح . وتعريف { المفسدين } بلام الجنس ، من التعميم في جنس الإصلاح المنفي وجنس المفسدين ليُعلم أن سحرهم هو من قبيل عمل المفسدين ، وإضافة { عمل } إلى { المفسدين } يؤذن بأنه عمل فاسد ، لأنه فعل مَنْ شأنُهم الإفساد فيكون نسجاً على منوالهم وسيرة على معتادهم ، والمراد بإصلاح عمل المفسدين الذي نفاه أنه لا يؤيده . وليس المراد نفي تصييره صالحاً ، لأن ماهية الإفساد لا تقبل أن تصير صلاحاً حتى ينفى تصييرها كذلك عن الله ، وإنما إصلاحها هو إعطاؤها الصلاح ، فإذا نفى الله إصلاحها فذلك بتركها وشأنَها ، ومن شأن الفساد أن يتضاءل مع الزمان حتى يضمحل .

ولما قدم قوله : { إن الله سيبطله } عُلم أن المراد من نفي إصلاحه تسليط أسباب بطلانه عليه حتى يبطل تأثيره ، وأن عدم إصلاح أعمال أمثالهم هو إبطال أغراضهم منها كقوله تعالى : { ويُبطلَ الباطلَ } [ الأنفال : 8 ] أي يظهرَ بطلانه .

وإنما كان السحرة مفسدين لأن قصدهم تضليل عقول الناس ليكونوا مسخرين لهم ولا يعلموا أسباب الأشياء فيبقوا ءالة فيما تأمرهم السحرة ، ولا يهتدوا إلى إصلاح أنفسهم سبيلاً . أما السحرة الذين خاطبهم موسى عليه السلام فإفسادهم أظهر لأنهم يحاولون إبطال دعوة الحق والدين القويم وترويج الشرك والضلالات .