الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (81)

{ فلما ألقوا } أي : ألقوا حبالهم وعصيهم . قال موسى{[31398]} : { ما جئتم به السحر } من استفهم{[31399]} جعل ( ما ) في موضع نصب ، كما تقول : أزيدا مررت به ، أو في موضع رفع بالابتداء . و( جئتم به ) : الخبر{[31400]} ، ومعناه : التوبيخ والتقصير{[31401]} لما جاؤوا به . السحر على إضمار مبتدأ : أي : هو{[31402]} السحر ، أو على إضمار خبر ، أي : أسحر{[31403]} هو{[31404]} .

ومن قرأ بغير استفهام{[31405]} ( فما ) بمعنى : ( الذي ) في موضع رفع بالابتداء{[31406]} .

والسحر : الخبر . وهو خبر عن قول موسى{[31407]} لهم ، وهو الاختيار . لأن موسى قد علم أنهم لاشيء عندهم إلا السحر{[31408]} ، وأن فرعون بعث وراء السحرة في سائر البلدان . فاستفهام موسى عما{[31409]} أتوا به ، هل هو سحر لا معنى له : وقد احتج اليزيدي{[31410]} بقراءة أبي عمرو بالمد بقوله : ( آسحر ) هذا{[31411]} وهذا منه غلط عند النحويين ، لأن موسى استفهم بقوله : آسحر{[31412]} ، عن سحر السحرة ، فهو استرشاد{[31413]} . وفيه معنى النهي لهم عن ذلك .

واستفهم بقوله : أسحر هذا عما جاء هو من عند الله عز وجل ، على معنى التوبيخ ، والتقرير لهم{[31414]} . وفيه معنى الدعاء لهم{[31415]} . ليقبلوه ، فبينهما بعد في المعنى ، ودخلت الألف واللام لتقدم ذكر السحر{[31416]} في قوله : { أسحر هذا } وعلى هذا يقال في أول الكتب : سلام عليك ، وفي الآخر : والسلام عليك ، وكذلك لو{[31417]} قال قائل : ( وجدت درهما ) فسألته عن موضع الدرهم لقلت : ( وأين الدرهم ، ويفتح ) وأين درهم{[31418]} .

وأجاز الفراء نصب السحر على أن تجعل ( ما ) شرطا ، وتحذف الفاء من ( أن ){[31419]} . وذلك لا يجوز إلا في الشعر{[31420]} .

ومعنى : { سيبطله } : أي : سيذهب به الله{[31421]} . فذهب به تعالى بأن سلط عليه عصا موسى{[31422]} ، فحولها ثعبانا ، فلقفته كله{[31423]} .

{ إن الله لا يصلح عمل المفسدين }[ 81 ] أي : عمل من سعي بالفساد في الأرض ، { ما جئتم{[31424]} به } : وقف على قراءة من استفهم{[31425]} ، ( السحر ) : وقف على قراءة من لم يستفهم{[31426]} .


[31398]:ق: موسى لهم.
[31399]:وهي قراءة أبي عمرو من السبعة، وأبي جعفر من العشرة: وذلك بالمد، والهمز، على لفظ الاستفهام (آسحر)، انظر: معاني الفراء 1/475، والسبعة 328، والمبسوط 235، والحجة 335، وإعراب مكي 1/389، والكشف 1/521، والتيسير 123، وعزاها أيضا في المحرر 9/75، إلى مجاهد وأصحابه، وانظر: الجامع 8/235.
[31400]:انظر : إعراب مكي 1/388، والجامع 8/235.
[31401]:كذا وردت في النسختين ولعلها: والتصغير.
[31402]:ق: أهو.
[31403]:ط: السحر.
[31404]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/293، والكشف 1/521.
[31405]:وهي قراءة السبعة عدا أبي عمرو، والعشرة سوى أبي جعفر، انظر: هامش القراءة السابقة.
[31406]:انظر: المحرر 9/75.
[31407]:ط: صم.
[31408]:انظر هذا الاختيار في: الكشف 1/521.
[31409]:ق: عن ما.
[31410]:هو أبو إسحاق إبراهيم بت يحيى العدوي، عالم باللغة والأدب، مفسر، مقرئ (ت: 225 هـ) انظر: تاريخ بغداد 14/146، ومرآة الجنان 2/3، والغاية 1/29.
[31411]:انظر: الهامش التاسع من الصفحة السابقة.
[31412]:ط: السحر.
[31413]:ط: استرشد.
[31414]:انظر: المحرر 9/73.
[31415]:ساط من ق.
[31416]:ط: مطموس.
[31417]:ق: أو.
[31418]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/264.
[31419]:انظر: معاني الفراء 1/475-476، وإعراب النحاس 2/264.
[31420]:أي لا يجوز ذلك إلا في الضرورة الشعرية، انظر الجامع 8/235.
[31421]:ساقط من ط.
[31422]:ط: صم.
[31423]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/162.
[31424]:ق: جئت.
[31425]:انظر هذا الوقف في: القطع 379 معزوا إلى يعقوب، ولم ينسباه في المكتفى 310، والمقصد 44.
[31426]:انظر هذا الوقف في: القطع 379، والمكتفى 310.