معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (81)

وقوله : { ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ }

( ما ) في موضع الذي ؛ كما تقول : ما جئت به باطل . وهي في قراءة عبد الله ( ما جِئتم به سِحر ) وإنما قال ( السحر ) بالألف واللام لأنه جواب لكلام قد سبق ؛ ألا ترى أنهم قالوا لِما جاءهم به موسى : أهذا سحر ؟ فقال : بل ما جئتم به السحر . وكل حرف ذكره متكلم نكرة فرددْتَ عليها لفظها في جواب المتكلم زدت فيها ألفا ولاما ؛ كقول الرجل : قد وجدت درهما ، فتقول أنت : فأين الدرهم ؟ أو : فأرِني الدرهم . ولو قلت : فأرِني درهما ، كنت كأنك سألته أن يريك غير ما وجده .

وكان مجاهد وأصحابه يقرءون : ما جِئتم به آلسحرُ : فيستفهم ويرفع السحر من نِيَّة الاستفهام ، وتكون ( ما ) في مذهب أي كأنه قال : أي شيء جئتم به ؟ آلسحر هو ؟ وفي حرف أُبيّ ( ما أتيتم به سحر ) قال الفراء : وأشكّ فيه .

وقد يكون ( ما جئتم به السحرَ ) تجعل السحر منصوبا ؛ كما تقول : ما جِئت به الباطل والزور . ثم تجعل ( ما ) في معنى جزاء و( جِئتم ) في موضع جزم إذا نصبت ، وتضمر الفاء في قوله { إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } فيكون جوابا للجزاء . والجزاء لا بدّ له أن يجاب بجزم مثله أو بالفاء . فإن كان ما بعد الفاء حرفا من حروف الاستئناف وكان يرفع أو ينصب أو يجزم صلح فيه إضمار الفاء . وإن كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو كان على جهة فَعَل أو فعلوا لم يصلح فيه إضمار الفاء ؛ لأنه يُجزم إذا لم تكن الفاء ، ويرفع إذا أدخلت الفاء . وصلح فيما قد جُزِم قبُل أن تكون الفاء لأنها إن دخلت أو لم تدخل فما بعدها جزم ؛ كقولك للرجل : إن شئت فقم ؛ ألا ترى أنّ ( قم ) مجزومة ولو لم يكن فيها الفاء ، لأنك إذا قلت إن شئت قم جزمتها بالأمر ، فكذلك قول الشاعر :

من يفعلِ الحسناتِ اللّهُ يشكرها *** والشرُّ بالشرِّ عِند اللّهِ مِثلانِ

ألا ترى أن قولك : ( الله يشكرها ) مرفوع كانت فيه الفاء أو لم تكن ، فلذلك صلح ضميرها .