تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (50)

{ وَهَذَا ْ } أي : القرآن { ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ْ } فوصفه بوصفين جليلين ، كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب ، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم ، ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها ، ومن أحكام الجزاء والجنة والنار ، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية ، وسماه ذكرا ، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر ، من التصديق بالأخبار الصادقة ، والأمر بالحسن عقلا ، والنهي عن القبيح عقلا ، وكونه { مباركا ْ } يقتضي كثرة خيراته{[532]}  ونمائها وزيادتها ، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن ، فإن كل خير ونعمة ، وزيادة دينية أو دنيوية ، أو أخروية ، فإنها بسببه ، وأثر عن العمل به ، فإذا كان ذكرا مباركا ، وجب تلقيه بالقبول والانقياد ، والتسليم ، وشكر الله على هذه المنحة الجليلة ، والقيام بها ، واستخراج بركته ، بتعلم ألفاظه ومعانيه ، وأما مقابلته بضد هذه الحالة ، من الإعراض عنه ، والإضراب عنه ، صفحا وإنكاره ، وعدم الإيمان به فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم ، ولهذا أنكر تعالى على من أنكره فقال : { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ْ }


[532]:- في النسختين خيره، وغيرت الكلمة لتتوافق مع الضمائر التي بعدها.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (50)

{ وهذا ذكر } يعني القرآن . { مبارك } كثير خيره . { أنزلناه } على محمد عليه الصلاة والسلام . { أفأنتم له منكرون } استفهام توبيخ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (50)

وقوله تعالى : { وهذا } إشارة إلى القرآن ، و { أنزلناه } إما أن يكون بمعنى أتيناه بمعنى كما تقول أنزل السلطان فلاناً بمكان كذا إذا أثبته له ، وإما أن يتعلق النزول بالملك ، ثم وقفهم الله تعالى تقريراً وتوبيخاً هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (50)

قد عقب هذا التعريض بذكر المقصود من سوق الكلام الناشىء هو عنه ، وهو المقابلة بقوله تعالى : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون } .

واسم الإشارة يشير إلى القرآن لأن حضوره في الأذهان وفي التلاوة بمنزلة حضور ذاته . ووصفه القرآن بأنه ذكر لأن لفظ الذكر جامع لجميع الأوصاف المتقدمة كما تقدم عند قوله تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } في [ سورة النحل : 44 ] .

ووصف القرآن بالمبارك يعمّ نواحي الخير كلها لأن البركة زيادة الخير ؛ فالقرآن كلّه خير من جهة بلاغة ألفاظه وحسنها وسرعة حفظه وسهولة تلاوته ، وهو أيضاً خير لما اشتمل عليه من أفنان الكلام والحكمة والشريعة واللطائف البلاغية ، وهو في ذلك كله آية على صدق الذي جاء به لأن البشر عجزوا عن الإتيان بمثله وتحدّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فما استطاعوا . وبذلك اهتدت به أمم كثيرة في جميع الأزمان ، وانتفع به مَن آمنوا به وفريق ممن حرموا الإيمان . فكان وصفه بأنه مبارك وافياً على وصف كتاب موسى عليه السلام بأنه فرقان وضياء .

وزاده تشريفاً بإسناد إنزاله إلى ضمير الجَلالة . وجُعل الوحي إلى الرسول إنزالاً لما يقتضيه الإنزال من رفعة القدر إذْ اعتبر مستقِرّاً في العالم العلوي حتى أنزل إلى هذا العالم .

وفُرّع على هذه الأوصاف العظيمة استفهام توبيخي تعجيبي من إنكارهم صدق هذا الكتاب ومن استمرارهم على ذلك الإنكار بقوله تعالى : { أفأنتم له منكرون } . ولكون إنكارهم صدقه حاصلاً منهم في حال الخطاب جيء بالجملة الاسمية ليتأتى جعل المسند اسماً دالاً على الاتّصاف في زمن الحال وجَعْل الجملة دالة على الثبات في الوصف وفاءً بحق بلاغة النظم .