تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

ومن جملة أولئك قوم نوح أغرقهم الله في اليم حين طغى [ الماء على وجه ] الأرض وعلا على مواضعها الرفيعة . وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم أن الله حملهم { فِي الْجَارِيَةِ } وهي : السفينة في أصلاب آبائهم وأمهاتهم الذين نجاهم الله .

فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال : { لِنَجْعَلَهَا }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

ثم قال الله تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ } أي : زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود . وقال ابن عباس وغيره : { طَغَى الْمَاءُ } كثر - وذلك بسبب دعوة نوح ، عليه السلام ، على قومه حين كذبوه وخالفوه ، فعبدوا غير الله فاستجاب الله له وعَمّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة ، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مِهْرَان ، عن أبي سنان سعيد بن سنان ، عن غير واحد ، عن علي بن أبي طالب قال : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك ، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان ، فطغى الماء على الخزان فخرج ، فذلك قول الله : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك ، إلا يوم عاد ، فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت ، فذلك قوله : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } عتت على الخزان{[29268]} .

ولهذا قال تعالى ممتنًا على الناس : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } وهي السفينة الجارية على وجه الماء ،


[29268]:- (2) تفسير الطبري (29/32).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

إِنَّ قوله تعالى : { ومَن قبله } [ الحاقة : 9 ] لما شمل قومَ نوح وهم أول الأمم كذبوا الرسل حَسَّن اقتضاب التذكير بأخذهم لِمَا فيه من إدماج امتنان على جميع الناس الذين تناسلوا من الفئة الذين نجاهم الله من الغرق ليتخلص من كونه عِظة وعبرة إلى التذكير بأنه نعمة ، وهذا من قبيل الإِدماج .

وقد بُني على شهرة مُهلك قوم نوح اعتبارُه كالمذكور في الكلام فجعل شرطاً ل { لمَّا } في قوله : { إنا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية } ، أي في ذلك الوقت المعروف بطغيان الطوفان .

والطغيان : مستعار لشدته الخارقة للعادة تشبيهاً لها بطغيان الطاغي على الناس تشبيه تقريب فإن الطوفان أقوى شدة من طغيان الطاغي .

و { الجارية } : صفة لمحذوف وهو السفينة وقد شاع هذا الوصف حتى صار بمنزلة الاسم قال تعالى : { وله الجواري المنشآت في البحر } [ الرحمن : 24 ] .

وأصل الحمل وضع جسم فوق جسم لنقله ، وأطلق هنا على الوضع في ظرف متنقل على وجه الاستعارة .

وإسناد الحمل إلى اسم الجلالة مجاز عقلي بناء على أنه أوحى إلى نوح بصنع الحاملة ووضع المحمول قال تعالى : { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين } الآية [ المؤمنون : 27 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنا لما طغا الماء} وارتفع فوق كل شيء.

{حملناكم في الجارية} يعني السفينة يقول: حملنا الآباء وأنتم في أصلابهم في السفينة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف... وذلك زمن الطوفان.

"حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ ": حملناكم في السفينة التي تجري في الماء...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{إنا لما طغا الماء} أي طغى على الذين أهلكوا من مكذبي نوح عليه السلام، والله اعلم...

{حملناكم في الجارية} قد ذكر أنه {حملناكم} ولم نكن نحن يومئذ فنحمل، والخطاب للذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان، لأن بنجاة أولئك المحمولين نجاة ذريتهم، وبهلاك أولئك فناء ذريتهم، فكأنه قد حملهم بحمل أولئك لما حصل لهم النجاة بحملهم، أو أضاف إليهم لأنه قدر كونهم من آبائهم، فكأنهم حملوا تقديرا، وإن لم نكن محمولين في السفينة، فقد حمل أصلنا لنكون نحن من ذلك الأصل، فكأنا قد حملنا فيها، إذ كنا في إرادة الله تعالى من الكائنين، والله أعلم..

أو ذكر ذلك منة منه على الأبناء بصنيعه بالآباء ليعلم أن على الأبناء شكر ما أحسن إلى آبائهم وأجدادهم، والله أعلم...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب: زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول...

ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: "حملناكم"... والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومشهد طغيان الماء ومشهد الجارية على الماء الطاغي، كلاهما يتناسق مع مشاهد السورة وظلالها. وجرس الجارية وواعية يتمشى كذلك مع إيقاع القافية...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء} في طوفان نوح الذي أهلك الله به القوم الكافرين، {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أيها المؤمنون، لأن الله أراد للحياة أن تبدأ عهداً جديداً في خط الإيمان به وبرسله وباليوم الآخر...