تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ وَالْجَانَّ } وهو : أبو الجن أي : إبليس { خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ } خلق آدم { مِنْ نَارِ السَّمُومِ } أي : من النار الشديدة الحرارة ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

وقوله : { وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ } أي : من قبل الإنسان { مِنْ نَارِ السَّمُومِ } قال ابن عباس : هي السموم التي تقتل .

وقال بعضهم : السموم بالليل والنهار . ومنهم من يقول : السموم بالليل ، والحرور بالنهار .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : دخلت على عَمْرو الأصم أعوده ، فقال : ألا أحدّثك حديثا سمعته من عبد الله بن مسعود ، يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق{[16151]} منها الجان ، ثم قرأ : { وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ }{[16152]}

وعن ابن عباس : أن الجان خُلق من لهب النار ، وفي رواية : من أحسن النار .

وعن عمرو بن دينار : من نار الشمس ، وقد ورد في الصحيح : " خُلقت الملائكة من نور ، وخُلقت الجان من مارج من نار ، وخُلق بنو آدم مما وصِف لكم " {[16153]} ومقصود الآية : التنبيه على شرف آدم ، عليه السلام ، وطيب عنصره ، وطهارة مَحْتده{[16154]}


[16151]:في ت، أ: "خلق الله منها".
[16152]:ورواه الطبري في تفسيره (16/21) من طريق شعبة به نحوه.
[16153]:صحيح مسلم برقم (2996) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
[16154]:في ت: "محقده".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ والجان } أبا الجن . وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره . { خلقناه من قبل } من قبل خلق الإنسان . { من نار السّموم } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : { من نار } باعتبار الغالب كقوله : { خلقتكم من تراب } ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول للجمع والإحياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

{ الجان } يراد به جنس الشياطين ، ويسمون : جنة وجاناً لاستتارهم عن العين . وسئل وهب بن منبه عنهم فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس تفعل هذا كله ، منها السعالي والغول وأشباه ذلك .

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «والجأن » بالهمز{[7163]} .

قال القاضي أبو محمد : والمراد بهذه الحلقة إبليس أبو الجن ، وفي الحديث : «أن الله تعالى خلق آدم من جميع أنواع التراب الطيب والخبيث والأسود والأحمر »{[7164]} وفي سورة البقرة إيعاب هذا وقوله { من قبل } لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة ، وخلق آدم آخر الخلق . و { السموم } - في كلام العرب - إفراط الحر حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح . وقالت فرقة : السموم بالليل ، والحرور بالنهار .

قال القاضي أبو محمد : وأما إضافة { نار } إلى { السموم } في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعاً ، ويكون { السموم } أمراً يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ ؛ وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم : مسجد الجامع ، ودار الآخرة ، على حذف مضاف .


[7163]:وهي أيضا قراءة عمرو بن عبيد، قاله في "البحر المحيط".
[7164]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي، و الحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن، عن أبي موسى، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة، ولفظه كما في "الجامع الصغير": (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحسن والخبيث والطيب وبين ذلك).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} (27)

عطف جملة { والجانّ خلقناه } إدماج وتمهيد إلى بيان نشأة العداوة بين بني آدم وجُند إبليس .

وأكدت جملة { والجان خلقناه } بصيغة الاشتغال التي هي تقوية للفعل بتقدير نظيره المحذوف ، ولما فيها من الاهتمام بالإجمال ثم التفصيل لمثل الغرض الّذي أكدت به جملة { ولقد خلقنا الإنسان } الخ .

وفائدة قوله : { من قبل } أي من قبل خلق الإنسان تعليم أن خلق الجانّ أسبق لأنّه مخلوق من عنصر الحرارة والحرارة أسبق من الرطوبة .

و { السموم } بفتح السين : الريح الحارة . فالجنّ مخلوق من النارية والهوائية ليحصل الاعتدال في الحرارة فيقبل الحياة الخاصة اللائقة بخلقة الجنّ ، فكما كَوّن الله الحمأةَ الصلصالَ المسنونَ لخلق الإنسان ، كَون ريحاً حارة وجعل منها الجنّ . « فهو مكون من حرارة زائدة على مقدار حرارة الإنسان ومن تهوية قويّة . والحكمة كلّها في إتقان المزج والتركيب .