تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لا تسلطهم علينا بذنوبنا ، فيفتنونا ، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان ، ويفتنون أيضا بأنفسهم ، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة ، ظنوا أنهم على الحق وأنا على الباطل ، فازدادوا كفرا وطغيانا ، { وَاغْفِرْ لَنَا } ما اقترفنا من الذنوب والسيئات ، وما قصرنا به من المأمورات ، { رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } القاهر لكل شيء ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فبعزتك{[1054]}  وحكمتك انصرنا على أعدائنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وأصلح عيوبنا .


[1054]:- كذا في ب، وفي أ: فمن عزتك.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

{ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } قال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا . وكذا قال الضحاك .

وقال قتادة لا تُظْهِرهم علينا فيفتتنوا بذلك ، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه . واختاره ابن جرير{[28665]} .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيفتنونا .

وقوله : { وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : واستر ذنوبنا عن غيرك ، واعف عنها فيما بيننا وبينك ، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : الذي لا يُضَام من لاذ بجناحك{[28666]} { الْحَكِيم } في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك .


[28665]:- (2) تفسير الطبري (28/42).
[28666]:- (3) في أ: "بجنابك".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

5-6

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلّذِينَ كَفَرُواْ وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَآ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم خليله والذين معه : يا ربّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بك فجحدوا وحدانيتك ، وعبدوا غيرك ، بأن تسلطهم علينا ، فيروا أنهم على حقّ ، وأنا على باطل ، فتجعلنا بذلك فتنة لهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }قال لا تعذّبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حقّ ما أصابهم هذا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }قال : يقول : لا تظهرهم علينا فيَفْتَتنوا بذلك . يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقّ هم عليه .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا }يقول : لا تسلّطْهم علينا فيفتنونا .

وقوله : { وَاغُفِرْ لَنا رَبّنا }يقول : واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا ، { إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ }يعني الشديد الانتقام ممن انتقم منه ، الحكيم : يقول الحكيم في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

قوله تعالى : { ربنا لا تجعلنا } الآية ، حكاية عن إبراهيم ومن معه والمعنى : لا تغلبهم علينا ، فتكون لهم فتنة وسبب ضلالة ، لأنهم يتمسكون بكفرهم ويقولون إنما غلبناهم لأنا على الحق وهم على الباطل ، نحا هذا المنحى قتادة وأبو مجلز ، وقال ابن عباس المعنى : لا تسلطهم علينا فيفتنوننا عن أدياننا فكأنه قال : لا تجعلنا مفتونين فعبر عن ذلك بالمصدر وهذا أرجح الأقوال لأنهم إنما دعوا لأنفسهم ، وعلى منحى قتادة إنما دعوا للكفار . أما أن مقصدهم إنما هو أن يندفع عنهم ظهور الكفار الذي يسببه فتن الكفار فجاء في المعنى تحليق بليغ ، ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بئس الميت سعد ){[11047]} - ليهود - لأنهم يقولون لو كان محمد نبياً لم يمت صاحبه » .


[11047]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في الجنائز ومناقب الأنصار والفرائض، ومسلم، ومالك في موطئه في الوصية، وهو عن سعد بن أبي وقاص، قال:(مرضت بمكة مرضا فأشفيت منه على الموت، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال: الثلث كبير، إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تُنفق نفقة إلا أُجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك، فقلت: يا رسول الله، أُخلف عن هجرتي، فقال: لن تُخلف بعدي فتعمل عملا تُريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعل أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة)، قال سفيان: وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (5)

{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } .

الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، وهي اسم مصدر فتجيء بمعنى المصدر كقوله تعالى : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] وتجيء وصفاً للمفتون والفاتن .

ومعنى جَعلهم فتنة للذين كفروا : جعلهم مفتونين يفتنُهم الذين كفروا ، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون كما قال تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين } [ البروج : 10 ] الخ . ويصدق أيضاً بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا ، أي بمحبتهم والتقرب منهم كقوله تعالى حكاية عن دعاء موسى { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء } [ الأعراف : 155 ] .

وعلى الوجهين فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول . وتقدم في قوله تعالى : { ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } في سورة [ يونس : 85 ] .

واللام في { للذين كفروا } على الوجهين للملك ، أي مفتونين مسخرين لهم .

ويجوز عندي أن تكون { فتنة } مصدراً بمعنى اسم الفاعل ، أي لا تجعلنا فاتنين ، أي سبب فتنة للذين كفروا ، فيكونَ كناية عن معنى لا تغلِّب الذين كفروا علينا واصرف عنا ما يكون به اختلال أمرنا وسوءِ الأحوال كيلا يكون شيء من ذلك فاتناً الذين كفروا ، أي مقوياً فتنتهم فيُفْتَتَنُوا في دينهم ، أي يزدادوا كفراً وهو فتنة في الدين ، أي فيظنوا أنا على الباطل وأنهم على الحق ، وقد تطلق الفتنة على ما يفضي إلى غرور في الدين كما في قوله تعالى : { بل هي فتنة } في سورة [ الزمر : 49 ] وقوله : { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } في سورة [ الأنبياء : 111 ] .

واللام على هذا الوجه لام التبليغ وهذه معان جمّة أفادتها الآية .

{ واغفر لَنَا ربنا } .

أعقبوا دعواتهم التي تعود إلى إصلاح دينهم في الحياة الدنيا بطلب ما يصلح أمورهم في الحياة الآخرة وما يوجب رضى الله عنهم في الدنيا فإن رضاهُ يفضي إلى عنايته بهم بتسيير أمورهم في الحياتين . وللإِشعار بالمغايرة بين الدعوتين عطفت هذه الواو ولم تعطف التي قبلها .

{ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } .

تعليل للدعوات كلها فإن التوكل والإِنابة والمصير تناسب صفة { العزيز } إذ مثله يعامِل بمثل ذلك ، وطلبَ أن لا يجعلهم فتنة باختلاف معانيه يناسب صفة { الحكيم } ، وكذلك طلب المغفرة لأنهم لما ابتهلوا إليه أن لا يَجعلهم فتنة الكافرين وأن يغفر لهم رأوا أن حكمته تناسبها إجابة دعائهم لما فيه من صلاحهم وقد جاؤوا سائلينه .