تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ} (22)

{ لَا جَرَمَ } أي : حقا وصدقا { أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ } حصر الخسار فيهم ، بل جعل لهم منه أشده ، لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة والعذاب ، نستجير بالله من حالهم .

ولما ذكر حال الأشقياء ، ذكر أوصاف السعداء وما لهم عند الله من الثواب ، فقال :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ} (22)

يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة ؛ لأنهم استبدلوا بالدركات عن الدرجات ، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ، وعن شرب الرحيق المختوم ، بَسمُوم وحميم ، وظِلٍّ من يحموم ، وعن الحور العين بطعام من غِسْلين ، وعن القصور العالية بالهاوية ، وعن قرب الرحمن ، ورؤيته بغضب الديان وعقوبته ، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنّهُمْ فِي الاَخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا في الاَخرة هم الأخسرون ، الذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنة من النار وذلك هو الخسران المبين . وقد بينا فيما مضى أن معنى قولهم ، جَرَمْتُ : كسبت الذنب وأجرمته ، أن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الأيمان ، وفي مواضع «لا بدّ » كقولهم : لا جرم أنك ذاهب ، بمعنى : لا بد ، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق فقالوا : لا جرم ليقومنّ ، بمعنى : حقّا ليقومنّ ، فمعنى الكلام : لا منع عن أنهم ، ولا صدّ عن أنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ} (22)

و { لا جرم } لفظة مركبة من : { لا } ، ومن : { جرم } بنيتا . ومعنى { لا جرم } : حق . هذا مذهب سيبويه والخليل . وقال بعض النحويين : معناها : لا بد ولا شك ولا محالة وقد روي هذا عن الخليل . وقال الزجاج : { لا } رد عليهم ، ولما تقدم من كل ما قبلها ، و { جرم } معناه : كسب ، أي كسب فعلهم { أنهم في الآخرة هم الأخسرون } . فموضع «أن » على مذهب سيبويه رفع : وموضعها على مذهب الزجاج - نصب . وقال الكسائي معناها لا صد ولا منع .

قال القاضي أبو محمد : فكأن { جرم } على هذا من معنى القطع ، تقول : جرمت أي قطعت : وهي على منزع الزجاج من الكسب ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

جريمتنا ناهض في رأس نيق*** ترى لعظام ما جمعت صليبا{[6297]}

وجريمة القوم كاسبهم .

وأما قول الشاعر جرير :

ولقد طعنت أبا أميمة طعنة*** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا{[6298]}

فيحتمل الوجهين : ويختلف معنى البيت .

وفي { لا جرم } لغات : يقول بعض العرب : لا ذا جرم ، وبعضهم : لا أن ذا جرم ، وبعضهم : لا عن ذا جرم ، وبعضهم : لا جر ، حذفوا الميم لكثرة استعماله .


[6297]:- البيت لأبي خراش الهذلي يصف عُقابا ترزق في فرخها وتكسب له، فهي تقدم له ما يأكله من لحم طير أكلته، وبقيت عظامه يسيل منها الدهن، وجريمة بمعنى: كاسبة، قاله في اللسان. والنّيق: الطويل من الجبال، ورأس النّيق: أعلى موضع فيه. وهذا وقد سبق الاستشهاد به عند تفسير قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام} الآية (2) من سورة (المائدة).
[6298]:-البيت منسوب في "اللسان" و"الصحاح" لأبي أسماء بن الضريبة. وقيل: إن البيت لعطية بن عفيف، والصواب فيه: "ولقد طعنت" بفتح التاء، لأنه يخاطب كرزا العقيلي ويرثيه، وقيل البيت: يا كرز إنك قد قتلت بفارس بطل إذا هاب الكُماة وجبّبوا وكان كرز قد طعن أبا عيينة، وهو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، قال ذلك ابن برّي، ونقله في اللسان عنه، وجرم في هذا البيت تحتمل المعنيين كما قال ابن عطية رحمه الله. قال الأخفش: {لا جرم أن لهم النار} معناها: حق أن لهم النار، وأنشد: "جرمت فزارة"، يقول: حق لها، وفزارة مرفوعة، وقال الفراء: "وليس قول من قال: "جرمت: حققت" بشيء، وإنما لبّس عليهم الشاعر بقوله: "جرمت فزارة"، فرفعوا "فزارة" كأنه حق لها الغضب، قال: وفزارة منصوبة، أي: جرمتم الطعنة أن يغضبوا، قال أبو عبيدة: أحقت عليهم الغضب، أي: أحقت الطعنة فزارة أن يغضبوا" (راجع التاج واللسان والصحاح).