معاني القرآن للفراء - الفراء  
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ} (22)

وقوله : { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ 22 }

كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بُدَّ أنّك قائم ولا محالة أَنّك ذاهب ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إيَّاها ، حتَّى صَارت بمنزلة حقّا ؛ ألا ترى أَن العرب تقول : لا جَرَم لآتينك ، لا جرم قد أحسنتَ . وكذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقِّ . وأصلها من جَرَمت أي كسبت الذنب وجَرَّمته . وليس قول من قال إنّ جَرَمت كقولك : حَقُقت أو حُقِقت بشيء وإنما لَبَّسَ على قائله قول الشاعر :

ولقد طَعْنتُ أَبا عُيَيْنة طعنةً *** جَرَمت فزارةُ بعدها أن تغضبا

فرفعوا ( فَزارة ) قالوا : نجعل الفعل لفزاره كأنه بمنزلة حُقَّ لها أو حقَّ لها أن تغضب وفَزارة منصوبة في قول الفراء أي جَرَمَتهم الطعنةُ أن يغضبوا .

ولكثرتها في الكلام حُذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون : لا جَرَ أَنك قائم . وتوصل من أوّلها بذا ، أنشدني بعض بنى كلاب :

إن كلاباً والدِي لاذا جَرَمْ *** لأَهْدِرَنَّ اليوم هدراً صادقا

هدر المعنَّى ذى الشقاشيق اللهِم *** . . .

وموضع أَنْ مرفوع كقوله :

أحقّا عبادَ الله جُرْأةُ مُحْلِقٍ *** على وقد أَعييتُ عادَ وتُبَّعا