قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ } : في هذه اللفظةِ خلافٌ بين النحويين ، ويتلخص ذلك في خمسة أوجه ، أحدها : وهو مذهب/ الخليلِ وسيبويه وجماهير الناس أنهما رُكِّبَتَا من " لا " النافيةِ و " جَرَم " ، وبُنِيَتَا على تركيبهما تركيبَ خمسةَ عشرَ ، وصار معناهما معنى فِعْلٍ وهو " حقَّ " ، فعلى هذا يرتفعُ ما بعدهما بالفاعلية ، فقوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ } [ النحل : 62 ] ، أي حَقَّ وثَبَتَ كونُ النار لهم ، أو استقرارها لهم . الوجه الثاني : أنَّ " لا جَرَمَ " بمنزلة لا رجل ، في كون " لا " نافيةً للجنس ، و " جَرَم " اسمُها مبنيٌّ معها على الفتح وهي واسمُها في محلِّ رفعٍ بالابتداء وما بعدهما خبرُ " لا " النافية ، وصار معناها : لا محالة ولا بُدَّ .
الثالث : كالذي قبله إلا أن " أنَّ " وما بعدها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ بعد حذف الجار ، إذ التقدير : لا محالةَ في أنهم في الآخرة ، أي : في خسرانهم . الرابع : أن " لا " نافيةٌ لكلامٍ متقدمٍ تكلَّم به الكفرة ، فردَّ اللَّه عليهم ذلك بقولِه : " لا " ، كما تَرُدُّ " لا " هذه قبل القسم في قوله :
{ لاَ أُقْسِمُ } [ القيامة : 1 ] ، وقوله تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ النساء : 65 ] وقد تقدَّم تحقيقه ، ثم أتى بعدها بجملةٍ فعليةٍ وهي " جرم أنَّ لهم كذا " . وجَرَمَ فعلٌ ماضٍ معناه كسب ، وفاعله مستتر يعود على فعلهم المدلولِ عليه بسياقِ الكلام ، و " أنَّ " وما في حيِّزها في موضع المفعول به لأنَّ " جَرَم " يتعدى إذ هو بمعنى كَسَبَ . قال الشاعر :
2646 نَصَبْنا رأسَه في جِذْعِ نَخْلٍ *** بما جَرَمَتْ يداه وما اعتدَيْنا
أي : بما كسبَتْ ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في المائدة . وجريمةُ القومِ كاسبُهم ، قال :
2647 جريمةُ ناهِضٍ في رأسِ نِيْقٍ *** ترى لعظامِ ما جَمَعَتْ صَليبا
فتقديرُ الآية : كَسَبَهم فِعْلُهم أو قولُهم خسرانَهم ، وهذا هو قولُ أبي إسحاق الزجاج ، وعلى هذا فالوقف على قوله : " لا " ثم يُبتدأ ب " جَرَمَ " بخلاف ما تقدَّم .
الوجه الخامس : أنَّ معناها لا صَدَّ ولا مَنْعَ ، وتكون " جَرَمَ " بمعنى القطع ، تقول : جَرَمْتُ ، أي : قطعت ، فيكون " جرم " اسمَ " لا " مبنيٌّ معها على الفتح كما تقدم ، وخبرها " أنَّ " وما في حيِّزها ، أو على حَذْف حرف الجر ، أي : لا منع من خسرانهم ، فيعود فيه الخلافُ المشهور .
وفي هذه اللفظةِ لغاتٌ : يُقال لا جِرَمَ بكسر الجيم ، ولا جُرَم بضمِّها ، ولا جَرَ بحذف الميم ، ولا ذا جَرَم ، ولا إنَّ ذا جَرَم ، ولا ذو جَرَم ، ولا عن ذا جَرَم ، ولا إنْ جَرَم ، ولا عن جَرَم ، ولا ذا جَرَ واللَّهِ لا أفعل ذلك .
وعن أبي عمروٍ : " لا جَرُم أنَّ لهم النار " على وزن لا كَرُم ، يعني بضم الراء ، ولا جَرَ ، قال : " حَذَفوه لكثرة الاستعمال كما قالوا : " سَوْ ترى " يريدون : سوف .
وقوله : { هُمُ الأَخْسَرُونَ } يجوز أن يكون " هم " فَصْلاً وأن يكونَ توكيداً ، وأن يكونَ مبتدأً وما بعده خبره ، والجملة خبرُ " أنَّ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.