قال لرسوله : { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } كما صبر مَنْ قبلك من الرسل ، فإن قولهم لا يضر الحق شيئا ، ولا يضرونك في شيء ، وإنما يضرون أنفسهم .
لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه ، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده ، ويتذكر حال العابدين ، كما قال في الآية الأخرى : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }
ومن أعظم العابدين ، نبي اللّه داود عليه الصلاة والسلام { ذَا الْأَيْدِ } أي : القوة العظيمة على عبادة اللّه تعالى ، في بدنه وقلبه . { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي : رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه ، بالحب والتأله ، والخوف والرجاء ، وكثرة التضرع والدعاء ، رجاع إليه عندما يقع منه بعض الخلل ، بالإقلاع والتوبة النصوح .
ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بالصبر على أذاهم ومبشرا له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر .
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه السلام : أنه كان ذا أيد والأيد : القوة في العلم والعمل .
قال ابن عباس وابن زيد والسدي : الأيد : القوة وقرأ ابن زيد : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ]
وقال مجاهد : الأيد : القوة في الطاعة .
وقال قتادة : أعطي داود عليه السلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام ، وقد ذكر لنا أنه عليه السلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر .
وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى » وإنه كان أوابا ، وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشئونه .
القول في تأويل قوله تعالى : { اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك ، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك ، ثم جاعلو العلوّ والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقّك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا ، فاذكره ذا الأيد ويعني بقوله : ذَا الأَيْدِ ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( دَاوُد ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ذَا الأَيْد ) : قال : ذا القوّة في طاعة الله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنا دَاوُدَ ذَا الأَيْد ) : قال : أعطي قوّة في العبادة ، وفقها في الإسلام .
وقد ذُكر لنا أن داود صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : ذا القوّة في طاعة الله .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة في عبادة الله ، الأيد : القوّة ، وقرأ : ( والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ ) : قال : بقوّة .
وقوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : يقول : إن داود رَجّاع لما يكرهه الله إلى ما يرضيه أوّاب ، وهو من قولهم : آب الرجل إلى أهله : إذا رجع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : رجاع عن الذنوب .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الراجع عن الذنوب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أنّهُ أوّابٌ ) : أي كان مطيعا لله كثير الصلاة .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : المسبّح .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الأوّاب التوّاب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها ، ذلك الأوّاب ، قال : والأوّاب : المطيع .
وقوله تعالى : { اصبر على ما يقولون } أي من هذه الأقاويل التي يريدون بها الاستخفاف ولا يلتفت إليها : واذكر داود ذا الأيد في الدين والشرع والصدع به ، فتأس به وتأيد كما تأيد ، و : { الأيد } القوة ، وهي في داود متضمنة قوة البدن وقوته على الطاعة . و { الأواب } الرجاع إلى طاعة الله ، وقاله مجاهد وابن زيد ، وفسره السدي بالمسبح ، وذكر الثعلبي أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزرقة يمن . وكان داود أزرق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.