{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ْ } أي : اقتلع الخضر منها لوحا ، وكان له مقصود في ذلك ، سيبينه ، فلم يصبر موسى عليه السلام ، لأن ظاهره أنه منكر ، لأنه عيب للسفينة ، وسبب لغرق أهلها ، ولهذا قال موسى : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ْ } أي : عظيما شنيعا ، وهذا من عدم صبره عليه السلام ، فقال له الخضر : { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ْ }
يقول تعالى مخبرًا عن موسى وصاحبه ، وهو الخضر ، أنهما انطلقا لما توافقا واصطحبا ، واشترط عليه ألا يسأله عن شيء أنكره حتى يكون هو الذي يبتدئه{[18335]} من تلقاء نفسه بشرحه وبيانه ، فركبا في السفينة . وقد تقدم في الحديث كيف ركبا في السفينة ، وأنهم عرفوا الخضر ، فحملوهما بغير نول - يعني بغير أجرة - تكرمة للخضر . فلما استقلت بهم السفينة في البحر ، ولججت أي : دخلت اللجة ، قام الخضر فخرقها ، واستخرج لوحًا من ألواحها{[18336]} ثم رقعها . فلم يملك موسى ، عليه السلام ، نفسه أن قال منكرًا عليه : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } . وهذه اللام لام العاقبة لا لام التعليل ، كما قال الشاعر{[18337]} :
لدُوا للْمَوت وابْنُوا للخَرَاب
{ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } قال مجاهد : منكرًا . وقال قتادة عجبًا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا رَكِبَا فِي السّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } .
يقول تعالى ذكره : فانطلق موسى والعالم يسيران يطلبان سفينة يركبانها ، حتى إذا أصاباها ركبا في السفينة ، فلما ركباها ، خرق العالم السفينة ، قال له موسى : أخرقتها بعد ما لَجَجنا في البحر لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول : لقد جئت شيئا عظيما ، وفعلت فعلاً مُنكرا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا : أي عجبا ، إن قوما لججوا سفينتهم فخرقتها ، كأحوج ما نكون إليها ، ولكن علم من ذلك ما لم يعلم نبيّ الله موسى ذلك من علم الله الذي آتاه ، وقد قال لنبيّ الله موسى عليه السلام : فإنِ اتّبَعْتَنِي فَلا تَسألْنِي عَنْ شَيْءٍ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول : نُكرا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قال : منكرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
والإمر : في كلام العرب : الداهية ومنه قول الراجز :
قَدْ لَقِيَ الأقْرَانُ مّنِي نُكْرَا *** دَاهِيَةً دَهْياءَ إدّا إمْرَا
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : أصله : كلّ شيء شديد كثير ، ويقول منه : قيل للقوم : قد أَمِروا : إذا كثروا واشتدّ أمرهم . قال : والمصدر منه : الأَمَر ، والاسم : الإمْر .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : لِتُغْرِقَ أهْلَها فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين لِتُغْرِقَ أهْلَها بالتاء في لتغرق ، ونصب الأهل ، بمعنى : لتُغرق أنت أيها الرجل أهل هذه السفينة بالخرق الذي خرقت فيها . وقرأه عامة قرّاء الكوفة : «لِيَغْرَقَ » بالياء أهلها بالرفع ، على أن الأهل هم الذين يغرقون .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى وإن اختلفت ألفاظهما ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب .
وإنما قلنا : هما متفقتا المعنى ، لأنه معلوم أن إنكار موسى على العالِم خرق السفينة إنما كان لأنه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهلها إذا أحدث مثل ذلك الحدث فيها فلا خفاء على أحد معنى ذلك قرىء بالتاء ونصب الأهل ، أو بالياء ورفع الأهل .
{ فانطلقا } على الساحل يطلبان السفينة ، { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } أخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها . { قال أخرقتنا لتُغرق أهلها } فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها . وقرئ " لتُغَرِّق " بالتشديد للتكثير . وقرأ حمزة والكسائي " ليغرق أهلها " على إسناده إلى الأهل . { لقد جئت شيئا إمرا } أتيت أمرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم .
وقوله { فانطلقا } روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما انطلقا ماشيين على سيف البحر حتى مرت بهما سفينة ، فعرف الخضر فحملا بغير قول إلى مقصد أمه الخضر ، وعرفت { السفينة } بالألف واللام تعريف الجنس لا لعهد عينها ، فلما ركبا عمد الخضر إلى وتد فجعل يضرب في جنب السفينة حتى قلع به ، فيما روي لوحين من ألواحها فذلك هو معنى { خرقها } فلما رأى ذلك موسى غلبه ظاهر الأمر على الكلام حين رأى فعلاً يؤدي إلى غرفة جميع من في السفينة ، فوقفه بقوله { أخرقتها } وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «لتغرق أهلها » بالتاء وقرأ أبو رجاء «لتغَرِّق » بشد الراء وفتح الغين ، وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلُها » برفع الأهل ، وإسناد الفعل إليهم و «الإمر » الشنيع من الأمور كالداهية والإد ونحوه ، ومنه أمر إمْر ابن أبي كبشة{[1]} ومنه أمر القوم إذا كثروا ، وقال مجاهد «الإمر » المنكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.