تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ وَنَادَوْا } وهم في النار ، لعلهم يحصل لهم استراحة ، { يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي : ليمتنا فنستريح ، فإننا في غم شديد ، وعذاب غليظ ، لا صبر لنا عليه ولا جلد . ف { قَالَ } لهم مالك خازن النار -حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم- : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } أي : مقيمون فيها ، لا تخرجون عنها أبدا ، فلم يحصل لهم ما قصدوه ، بل أجابهم بنقيض قصدهم ، وزادهم غما إلى غمهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم، فنالهم فيها من البلاء ما نالهم، مالكا خازن جهنم "يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ "قال: ليمتنا ربك، فيفرغ من إماتتنا... فيقول لهم: "إنّكُمْ ماكِثُونَ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يفزعون أولا إلى المؤمنين، وهو قولهم {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرّمهما على الكافرين} [الأعراف: 50]، فلما أيِسوا من ذلك يفزعون إلى الله تعالى، يسألون الرجوع إلى المحنة ليعملوا غير الذي عملوا بقولهم {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} [فاطر: 37] فلما أيسوا من ذلك يفزعون إلى مالك ليسأل ربه ليقضي عليهم بالموت، فقال: {إنكم ماكثون} وهو ما قال عز وجل: {لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفّف عنهم من عذابها} الآية [فاطر: 36].

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} أي لابثون في عذابها أحياء.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان من مفهوم الإبلاس السكوت، أعلم بأن سكوتهم ليس دائماً لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم، فقال مبيناً أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم:

{ونادوا} ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكداً لبيان البعد بأداته: {يا مالك}...

{ليقض علينا} أي سله سؤالاً حتماً أن يقضي القضاء الذي لا قضاء مثله، وهو الموت على كل واحد منا، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا: {ربك} أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحساناً وهم في تلك الحالة، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلاً، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحداً منهم فوق استحقاقه، ولذلك جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات، ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظاً له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس، وذلك لازم لهم لأنهم كلما سكتوا كان سكوتهم عن يأس، فسكوتهم المقيد باليأس دائم، فلذلك سألوا الموت، والحاصل أنهم لا يتكلمون بما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبداً عن ذلك اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين. ولما ذكر نداءهم، استأنف ذكر جوابهم بقوله: {قال} أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكداً لأطماعهم؛ لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة بغيرهم {إنكم ماكثون}.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{إنَّكم ماكثونَ}... والعبارة بالمكث تهكم بهم، لأنه لفظ يفهم الانقطاع وعلموا أنه تهكم بهم، وأنهم خالدون دائما، ولأنه يشعر بالاختيار ولا اختيار لهم في المقام، بل هم مضطرون، يعبر به بدل انكم محبوسون...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

تمنوا تعطل الحواس وعدم الإحساس، لشدّة التألم بالعذاب الجسمانيّ.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم تتناوح في الجو صيحة من بعيد. صيحة تحمل كل معاني اليأس والكرب والضيق (ونادوا: يا مالك. ليقض علينا ربك).. إنها صيحة متناوحة من بعد سحيق. من هناك من وراء الأبواب الموصدة في الجحيم. إنها صيحة أولئك المجرمين الظالمين. إنهم لا يصيحون في طلب النجاة ولا في طلب الغوث. فهم مبلسون يائسون. إنما يصيحون في طلب الهلاك. الهلاك السريع الذي يريح، وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا! وإن هذا النداء ليلقي ظلاً كثيفاً للكرب والضيق. وإننا لنكاد نرى من وراء صرخة الاستغاثة نفوساً أطار صوابها العذاب، وأجساماً تجاوز الألم بها حد الطاقة فانبعثت منها تلك الصيحة المريرة: (يا مالك. ليقض علينا ربك)! ولكن الجواب يجيء في تيئيس وتخذيل، وبلا رعاية ولا اهتمام: (قال: إنكم ماكثون)! فلا خلاص ولا رجاء ولا موت ولا قضاء.. إنكم ما كثون!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سألوا الله أن يزيل عنهم الحياة ليستريحوا من إحساس العذاب. وهم إنما سألوا الله أن يميتهم فأجيبوا بأنهم ماكثون جواباً جامعاً لنفي الإماتة ونفي الخروج فهو جواب قاطع لما قد يسألونه من بعدُ...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } ليمتنا فنستريح { قال إنكم ماكثون } مقيمون في العذاب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

قوله تعالى : " ونادوا يا مالك " وهو خازن جهنم ، خلقه لغضبه ، إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضا . وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما " ونادوا يا مالِ " وذلك خلاف المصحف . وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " ونادوا يا مال " باللام خاصة ؛ يعني رخم الاسم وحذف الكاف . والترخيم الحذف ، ومنه ترخيم الاسم في النداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر ، فتقول في مالك : يا مال ، وفي حارث : يا حار ، وفي فاطمة : يا فاطم ، وفي عائشة يا عائش وفي مروان : يا مرو ، وهكذا . قال :

يا حار لا أُرْمَيْن منكم به بداهية *** لم يلقَها سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ{[13686]}

وقال امرؤ القيس :

أحار ترى بَرْقًا أريكَ وميضَه *** كلمع اليدين في حَبِيٍّ مُكَلَّلِ{[13687]}

وقال أيضا :

أفاطمَ مهلاً بعضَ هذا التَّدَلُّلِ *** وإن كنتِ قد أزمعْتِ صَرْمِي فأجملِي{[13688]}

وقال آخر{[13689]} :

يا مروَ إن مطيَّتِي محبوسةٌ *** ترجُو الحِبَاءَ ورَبُّهَا لم يَيْأَسِ

وفي صحيح الحديث ( أي فل ، هلم ) . ولك في آخر الاسم المرخم وجهان : أحدهما : أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف . والآخر : أن تبقيه على الضم ، مثل : يا زيد ، كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف . وذكر أبو بكر الأنباري قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن شعبة عن الحكم بن عيينة عن مجاهد قال : كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة عبد الله " بيت من ذهب " {[13690]} ، وكنا لا ندري " ونادوا يا مالك " أو يا ملك ( بفتح اللام وكسرها ) حتى وجدناه في قراءة عبد الله " ونادوا يا مال " على الترخيم . قال أبو بكر : لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول عليه السلام ، وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل .

قلت : وفي صحيح البخاري عنه صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر : " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك " بإثبات الكاف .

وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى : " وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " {[13691]} [ غافر : 49 ] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب ، فردت عليهم : " قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " [ غافر :50 ] قال : فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا ، وهو عليهم وله مجلس في وسطها ، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : " يا مالك ليقض علينا ربك " سألوا الموت ، قال : فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ، قال : والسنة ستون وثلاثمائة يوم ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال : " إنكم ماكثون " وذكر الحديث . ذكره ابن المبارك . وفي حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ] . قال الأعمش : نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام . خرجه الترمذي . وقال ابن عباس : يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة ، ثم يقول إنكم ماكثون . وقال مجاهد ونوف البكالي : بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة . وقال عبد الله بن عمرو : أربعون سنة . ذكره ابن المبارك .


[13686]:البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة يخاطب بها الحارث بن ورقاء الصيداوي وكان أغار على بني عبد الله ابن غطفان فغنم وأخذ ابل زهير وراعيته يسارا، فطالبهم ببذلك ليردوا عليه ما أخذوه وتوعدهم بالهجاء...الخ، راجع شرح ديوان زهير ص 164 المطبوع بدار الكتب المصرية.
[13687]:يروى " أصاح". والحبي: السحاب المعترض بالأفق. والمكلل: المتراكب.
[13688]:فاطمة هي ابنة عبيد بن ثعلبة بن عامر. والصرم (بالضم): القطيعة.
[13689]:هو الفرزدق يخاطب مروان بن الحكم وكان واليا على المدينة فوفد عليه مادحا له، فأبطأ عليه جائزته...والحباء (بكسر الحاء المهملة): العطاء. وجعل الرجاء للناقة وهو يريد نفسه مجازا. (شرح الشواهد للشنتمري).
[13690]:في قوله تعالى:" أو يكون لك بيت من زخرف" آية 93 سورة الإسراء. راجع ج 10 ص 331.
[13691]:آية 49 سورة غافر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

ولما كان من مفهوم الإبلاس السكوت ، أعلم بأن سكوتهم ليس دائماً لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم ، فقال مبيناً أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك ، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم : { ونادوا } ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكداً لبيان البعد بأداته : { يا مالك } وقراءة " يا مال " للإشارة إلى أن العذاب أوهنهم عن إتمام الكلام ، ولذا قالوا : { ليقض علينا } أي سله سؤالاً حتماً أن يقضي القضاء الذي لا قضاء مثله ، وهو الموت على كل واحد منا ، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا : { ربك } أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحساناً وهم في تلك الحالة ، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلاً ، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحداً منهم فوق استحقاقه ، ولذلك جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات ، ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظاً له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه ، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس ، وذلك لازم لهم لأنهم كلما سكتوا كان سكوتهم عن يأس ، فسكوتهم المقيد باليأس دائم ، فلذلك سألوا الموت ، والحاصل أنهم لا يتكلمون بما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبداً عن ذلك .

. . اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين .

ولما ذكر نداءهم ، استأنف ذكر جوابهم بقوله : { قال } أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكداً لأطماعهم لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة بغيرهم { إنكم ماكثون } .