تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

وذكر تعالى عنه ، أنه عاقبه عقوبة دنيوية ، أنجاه منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة ، فقال : { إِذْ أَبَقَ }

أي : من ربه مغاضبا له ، ظانا أنه لا يقدر عليه ، ويحبسه في بطن الحوت ، ولم يذكر اللّه ما غاضب عليه ، ولا ذنبه الذي ارتكبه ، لعدم فائدتنا بذكره ، وإنما فائدتنا بما ذُكِّرنا عنه أنه أذنب ، وعاقبه اللّه مع كونه من الرسل الكرام ، وأنه نجاه بعد ذلك ، وأزال عنه الملام ، وقيض له ما هو سبب صلاحه .

فلما أبق لجأ { إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } بالركاب والأمتعة ، فلما ركب مع غيره ، والفلك شاحن ، ثقلت السفينة ، فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركبان ، وكأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك ، فاقترعوا على أن من قرع وغلب ، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة ، وإذا أراد اللّه أمرا هيأ أسبابه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

الثانية- قوله تعالى : " إذ أبق " قال المبرد : أصل أبق تباعد ؛ ومنه غلام آبق . وقال غيره : إنما قيل ليونس أبق ؛ لأنه خرج بغير أمر الله عز وجل مستترا من الناس . " إلى الفلك المشحون " أي المملوءة " والفلك " يذكر ويؤنث ويكون واحدا وجمعا وقد تقدم{[13304]} . قال الترمذي الحكيم : سماه آبقا لأنه أبق عن العبودية ، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور الله ، فلما لم يبذل النفس عندما اشتدت عليه العزمة من الملك حسبما تقدم بيانه في " الأنبياء " ، وآثر هواه لزمه اسم الآبق ، وكانت عزمة الملك في أمر الله لا في أمر نفسه ، وبحظ حق الله لا بحظ نفسه ، فتحرى يونس فلم يصب الصواب الذي عند الله فسماه آبقا ومليما .


[13304]:راجع ج 2 ص 194 طبعة ثانية.