تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (54)

{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي : استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشبه ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا حقيقة تحتها ، وليست دليلا على حق ولا على باطل ، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول .

فأي دليل يدل على أن فرعون محق ، لكون ملك مصر له ، وأنهاره تجري من تحته ؟

وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى لقلة أتباعه ، وثقل لسانه ، وعدم تحلية الله له ، ولكنه لقي ملأ لا معقول عندهم ، فمهما قال اتبعوه ، من حق وباطل . { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } فبسبب فسقهم ، قيض لهم فرعون ، يزين لهم الشرك والشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (54)

26

( فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين ) . .

واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه ؛ فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة ، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها ، ولا يعودوا يبحثون عنها ؛ ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك ، ويلين قيادهم ، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين !

ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق ، ولا يمسكون بحبل الله ، ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح . ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول :

( فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوماً فاسقين ) . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (54)

أي فتفرع عن نداء فرعون قومَه أن أثَّر بتمويهه في نفوس ملئِه فعجَّلوا بطاعته بعد أن كانوا متهيئين لاتباع موسى لما رأوا الآيات . فالخفة مستعارة للانتقال من حالة التأمل في خلع طاعة فرعون والتثاقل في اتباعه إلى التعجيل بالامتثال له كما يخِف الشيء بعد التثاقل .

والمعنى يرجع إلى أنه استخف عقولهم فأسرعوا إلى التصديق بما قاله بعد أن صدّقوا موسى في نفوسهم لمّا رأوا آياته نزولاً ورفعاً . والمراد ب { قومه } هنا بعض القوم ، وهم الذين حضروا مجلس دعوة موسى هؤلاء هم الملأ الذين كانوا في صحبة فرعون .

والسين والتاء في { استخف } للمبالغة في أخَفّ مثل قوله تعالى : { إنّما استْزَلَّهُمْ الشيطان } [ آل عمران : 155 ] وقولهم : هذا فِعلُ يستفزّ غضَب الحليم .

وجملة { إنهم كانوا قوماً فاسقين } في موضع العلة لِجملة { فأطاعوه } كما هو شأن ( إنَّ ) إذا جاءت في غير مقام التأكيد فإن كونهم قد كانوا فاسقين أمر بيِّنٌ ضرورةَ أن موسى جاءهم فدعاهم إلى ترك ما كانوا عليه من عبادة الأصنام فلا يقتضي في المقام تأكيد كونهم فاسقين ، أي كافرين . والمعنى : أنهم إنما خَفُّوا لطاعة رأس الكفر لقرب عهدهم بالكفر لأنهم كانوا يؤلِّهُون فرعون فلما حصل لهم تردّد في شأنه ببعثة موسى عليه السلام لم يلبثوا أن رجعوا إلى طاعة فرعون بأدنى سبب .

والمراد بالفسق هنا : الكُفر ، كما قال في شأنهم في آية الأعراف ( 145 ) { سَأُوْريكم دار الفاسقين }