تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

{ 28 - 30 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ }

يقول تعالى - مبينا حال المكذبين لرسوله من كفار قريش وما آل إليه أمرهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا } ونعمة الله هي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة ، فبدلوا هذه النعمة بردها ، والكفر بها والصد عنها بأنفسهم .

{ و } صدهم غيرهم حتى { أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } وهي النار حيث تسببوا لإضلالهم ، فصاروا وبالا على قومهم ، من حيث يظن نفعهم ، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم " بدر " ليحاربوا الله ورسوله ، فجرى عليهم ما جرى ، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

28

( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ، جهنم يصلونها ، وبئس القرار ؟ ! )

( وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله . قل : تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) . .

ألم تر إلى هذا الحال العجيب . حال الذين وهبوا نعمة الله ، ممثلة في رسول وفي دعوة إلى الإيمان ، وفي قيادة إلى المغفرة ، وإلى مصير في الجنة . . فإذا هم يتركون هذا كله ويأخذون بدله( كفرا ) ! أولئك هم السادة القادة من كبراء قومك - مثلهم مثل السادة القادة من كل قوم

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

وقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية ، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا ، والتقدير : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، وهذا كقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }{[7074]} [ الواقعة : 82 ] .

و { نعمة الله } المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه ، أنعم الله به على قريش ، فكفروا النعمة ولم يقبلوها ، وتبدلوا بها الكفر .

والمراد ب { الذين } كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين . وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش : بني مخزوم وبني أمية . قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر{[7075]} . وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم{[7076]} .

قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته ، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة .

وقوله : { وأحلوا قومهم } أي من أطاعهم ، وكان معهم في التبديل ، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام ، و { البوار } الهلاك ، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .

يا رسول المليك إن لساني . . . فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور{[7077]}

قال الطبري : وقال هو وغيره : إنه يروى لابن الزبعرى .

ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله : { جهنم يصلونها } ، يحترقون في حرها ويحتملونه ، ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون «الدار » قليب بدر ونحوه . وقال عطاء : نزلت هذه الآية في قتلى بدر .

قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { جهنم } نصباً ، على حد قولك : زيداً ضربته ، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر .

و { القرار } : موضع استقرار الإنسان .


[7074]:الآية (82) من سورة (الواقعة)، والتقدير فيها: وتجعلون شكر رزقكم.
[7075]:الكلام عن بني مخزوم، والمراد أن الله أهلكهم يوم بدر وكفى المؤمنين شرهم.
[7076]:في الأصول كلها: "جبلة بن إبراهيم"، وهو خطأ واضح من النساخ، والصواب ما أثبتناه، وله قصة معروفة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أسلم، وأكرم عمر مقدمه، وخرج للحج مع عمر، فوطىء فزاري إزاره في الطواف، فضربه جبلة فهشم أنفه، فلما شكاه إلى عمر رضي الله عنه قال عمر: لابد من القود، قال: هو من السوقة وأنا ملك، قال عمر: الإسلام سوى بينكما، قال: إذا أتنصر، قال عمر: أضرب عنقك لأنك مسلم مرتد، فلما رأى الجد في كلام عمر رضي الله عنه هرب مع قومه إلى الشام وتنصر وعاش حزينا نادما في بلاط الروم.
[7077]:نسبه في (اللسان) إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي، وكذلك في سيرة ابن هشام أنشده ونسبه إلى ابن الزبعرى ضمن أبيات قالها حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هاربا منه في نجران، وقد ذكر ابن عطية أن الطبري وغيره ينسبون البيت أيضا لابن الزبعرى، والراتق: الذي يصلح ما تمزق من الثوب، و فتق: شق وقطع، والمراد هنا ما أحدث في الدين، وما قاله من هجاء النبي بشعره، وهذا كله إثم يشبه الفتق في الثوب، والتوبة رتق وإصلاح له، وبور: هالك، يقال: رجل بور، وكذلك الاثنان والجمع، وقد استشهد أبو عبيدة في "مجاز القرآن" بهذا البيت منسوبا إلى ابن الزبعرى على أن البوار معناه الهلاك، وأنه يقال منه: بار يبور.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما . وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله : { قل لعبادي الذين آمنوا } الخ .

والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك .

والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها ب { إلى } يرجح ذلك ، كما في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } [ سورة البقرة : 258 ] .

وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير . والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم .

والكفر : كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، والإشراك بالله من كفران نعمته .

وفي قوله : { بدلوا نعمة الله كفراً } محسن الاحتباك . وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ، كما دل عليه قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } الخ .

واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات .

والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ، بقرينة قوله : { ألم تر إلى الذين } ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل { أحلوا } إليهم على طريقة المجاز العقلي .

ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة . ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق ، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام .

وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم .

والبوار : الهلاك والخسران . وداره : محله الذي وقع فيه .

والإحلال بها الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال التسبب فيه ، أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل : موقع بدر ، فيجوز أن يكون { دار البوار } جهنم ، وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس .

واستعمال صيغة المضي في { أحلوا } لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية .

والمراد ب { الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار } صناديد المشركين من قريش ، فعلى تفسير { دار البوار } بدار البوار في الآخرة يكون قوله { جهنم } بدلاً من { دار البوار } وجملة { يصلونها } حالاً من { جهنم } ، فتخص { دار البوار } بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته .