تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (10)

ثم ذكر أيضا من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره ، بما خلقه لعباده من الأرض التي مهدها وجعلها قرارا للعباد ، يتمكنون فيها من كل ما يريدون .

{ وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } أي : جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة ، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } في السير في الطرق ولا تضيعون ، ولعلكم تهتدون أيضا في الاعتبار بذلك والادكار فيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (10)

ثم يمضي بهم خطوة أخرى في تعريف الله سبحانه بصفاته ؛ وفي بيان فضله عليهم بعد الخلق والإنشاء :

( الذي جعل لكم الأرض مهدا ، وجعل لكم فيها سبلاً ، لعلكم تهتدون ) . .

وحقيقة جعل هذه الأرض مهداً للإنسان يدركها كل عقل في كل جيل بصورة من الصور . والذين تلقوا هذا القرآن أول مرة ربما أدركوها في رؤية هذه الأرض تحت أقدامهم ممهدة للسير ، وأمامهم ممهدة للزرع ، وفي عمومها ممهدة للحياة فيها والنماء . ونحن اليوم ندرك هذه الحقيقة في مساحة أعرض وفي صورة أعمق ، بقدر ما وصل إليه علمنا عن طبيعة هذه الأرض وتاريخها البعيد والقريب - لو صحت نظرياتنا في هذا وتقديراتنا - والذين يأتون بعدنا سيدركون من تلك الحقيقة ما لم ندرك نحن ؛ وسيظل مدلول هذا النص يتسع ويعمق ، ويتكشف عن آفاق وآماد كلما اتسعت المعرفة وتقدم العلم ، وانكشفت المجاهيل لهذا الإنسان .

ونحن اليوم ندرك من حقيقة جعل الأرض مهداً لهذا الجنس يجد فيها سبله للحياة أن هذا الكوكب مر في أطوار بعد أطوار ، حتى صار مهداً لبني الإنسان . وفي خلال هذه الأطوار تغير سطحه من صخر يابس صلد إلى تربة صالحة للزرع ؛ وتكوّن على سطحه الماء من اتحاد الأيدروجين والأكسوجين ؛ واتأد في دورانه حول نفسه فصار يومه بحيث يسمح باعتدال حرارته وصلاحيتها للحياة ؛ وصارت سرعته بحيث يسمح باستقرار الأشياء والأحياء على سطحه ، وعدم تناثرها وتطايرها في الفضاء ?

ونعرف من هذه الحقيقة كذلك أن الله أودع هذا الكوكب من الخصائص خاصية الجاذبية ، فاحتفظ عن طريقها بطبقة من الهواء تسمح بالحياة ؛ ولو أفلت الهواء المحيط بهذا الكوكب من جاذبيته ما أمكن أن تقوم الحياة على سطحه ، كما لم تقم على سطح الكواكب الأخرى التي تضاءلت جاذبيتها ، فأفلت هواؤها كالقمر مثلاً ! وهذه الجاذبية ذاتها قد جعلها الخالق متعادلة مع عوامل الدفع الناشئ من حركة الأرض ؛ فأمكن أن تحفظ الأشياء والأحياء من التطاير والتناثر ؛ وفي الوقت ذاته تسمح بحركة الإنسان والأحياء على سطح الأرض ؛ ولو زادت الجاذبية عن القدر المناسب للصقت الأشياء والأحياء بالأرض وتعذرت حركتها أو تعسرت من ناحية ، ولزاد ضغط الهواء عليها من ناحية أخرى فألصقها بالأرض إلصاقاً ، أو سحقها كما نسحق نحن الذباب والبعوض أحياناً بضربة تركز الضغط عليها دون أن تمسها أيدينا ! ولو خف هذا الضغط عما هو عليه لانفجر الصدر والشرايين انفجاراً !

ونعرف كذلك من حقيقة جعل الأرض مهداً وتذليل السبل فيها للحياة ، أن الخالق العزيز العليم قدر فيها موافقات شتى تسمح مجتمعة بوجود هذا الإنسان وتيسير الحياة له ؛ ولو اختلت إحدى هذه الموافقات لتعذرت هذه الحياة أو تعسرت . فمنها هذه الموافقات التي ذكرنا ، ومنها أنه جعل كتلة الماء الضخمة التي تكونت على سطح الأرض من المحيطات والبحار كافية لامتصاص الغازات السامة التي تنشأ من التفاعلات الكثيرة التي تتم على سطحها ، والاحتفاظ بجوها دائماً في حالة تسمح للأحياء بالحياة . ومنها أنه جعل من النبات أداة للموازنة بين الأكسجين الذي يستنشقه الأحياء ليعيشوا به ، والأكسجين الذي يزفره النبات في أثناء عمليات التمثيل التي يقوم بها ؛ ولولا هذه الموازنة لاختنق الأحياء بعد فترة من الزمان .

وهكذا . وهكذا . من المدلولات الكثيرة لحقيقة : ( جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً )تتكشف لنا في كل يوم ؛ وتضاف إلى المدلولات التي كان يدركها المخاطبون بهذا القرآن أول مرة . وكلها تشهد بالقدرة كما

تشهد بالعلم لخالق السماوات والأرض العزيز العليم . وكلها تشعر القلب البشري باليد القادرة المدبرة ، في حيثما امتد بصره ، وتلفت خاطره وأنه غير مخلوق سدى وغير متروك لقى " وأن هذه اليد تمسك به ، وتنقل خطاه ، وتتولى أمره في كل خطوة من خطواته في الحياة ، وقبل الحياة ، وبعد الحياة !

( لعلكم تهتدون ) . . فإن تدبر هذا الكون ، وما فيه من نواميس متناسقة كفيل بهداية القلب إلى خالق هذا الكون ، ومودعه ذلك التنظيم الدقيق العجيب . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (10)

هذه أوصاف فعل ، وهي نعم من الله تعالى على البشر ، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك بالله تعالى .

وقوله : { الذي جعل لكم } ليس من قول المسؤولين ، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى .

وقرأ جمهور الناس : «مهاداً » وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش : «مهداً » ، والمعنى واحد ، أي يتمهد ويتصرف فيها .

والسبل : الطرق . و : { تهتدون } معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ، ويحتمل أن يريد : { تهتدون } بالنظر والاعتبار .