تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (55)

{ فَلَمَّا آسَفُونَا } أي : أغضبونا بأفعالهم { انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (55)

26

ثم انتهت مرحلة الابتلاء والإنذار والتبصير ؛ وعلم الله أن القوم لا يؤمنون ؛ وعمت الفتنة فأطاعت الجماهير فرعون الطاغية المتباهي في خيلاء ، وعشت عن الآيات البينات والنور ؛ فحقت كلمة الله وتحقق النذير :

( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين ) . .

يتحدث الله سبحانه عن نفسه في مقام الانتقام والتدمير ؛ إظهاراً لغضبه ولجبروته في هذا المقام . فيقول : ( فلما آسفونا ) . . أي أغضبونا أشد الغضب . . ( انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) . . يعني فرعون وملأه وجنده . وهم الذين غرقوا على إثر موسى وقومه

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (55)

قال الله تعالى : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { آسفونا } أسخطونا .

وقال الضحاك ، عنه : أغضبونا . وهكذا قال ابن عباس أيضا ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم{[26080]} من المفسرين .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله {[26081]} ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم التجيبي{[26082]} عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد ما شاء ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك استدراج منه له " ثم تلا { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } {[26083]} .

وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن قيس بن مسلم {[26084]} ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة ، فقال : تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر . ثم قرأ : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } .

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : وجدت النقمة مع الغفلة ، يعني قوله : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } .


[26080]:- (7) في ت: "غير واحد".
[26081]:- (8) في أ: "عبد الله".
[26082]:- (9) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[26083]:- (10) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4926) "مجمع البحرين"، والبيهقي في شعب الإيمان برقم (4540) من طريق عبد الله ابن صالح عن حرملة بن عمران به، ورواه أحمد في مسنده (4/145) عن رشدين بن سعد، والدولابي في الكنى (1/111) عن حجاج بن سليمان كلاهما عن حرملة بن عمران به، وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء.
[26084]:- (11) في ت: "وروى أيضا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (55)

عُقب ما مضى من القصة بالمقصود وهو هذه الأمور الثلاثة المترتبة المتفرع بعضها على بعض وهي : الانتقام ، فالإغراق ، فالاعتبار بهم في الأمم بعدَهم .

والأسف : الغَضَب المشوبُ بحُزن وكدَر ، وأطلق على صنيع فرعون وقومه فعل { ءاسفونا } لأنه فعل يترتب عليه انتقام الله منهم انتقاماً كانتقام الآسف لأنهم عصَوا رسوله وصمّموا على شركهم بعد ظهور آيات الصدق لموسى عليه السلام .

فاستعير { ءاسفونا } لمعنى عَصَوْنا للمشابهة ، والمعنى : فلما عصونا عصيان العبدِ ربّه المنعِم عليه بكفران النعمة ، والله يستحيل عليه أن يتصف بالآسف كما يستحيل عليه أن يتصف بالغضب على الحقيقة ، فيؤول المعنى إلى أن الله عاملهم كما يعامل السيدُ المأسوفُ عبداً آسفه فلم يترك لرحمةِ سيده مسلكاً . وفعل أسِف قاصر فعدّي إلى المفعول بالهمزة .

وفي قوله : { فلما ءاسفونا } إيجاز لأن كونهم مؤسِفين لم يتقدم له ذكر حتى يبنى أنه كان سبباً للانتقام منهم فدلّ إناطة أداة التوقيت به على أنه قد حصل ، والتقدير : فآسفونا فلما آسفونا انتقمنا منهم . والانتقام تقدم معناه قريباً عند قوله تعالى : { فإنا منهم منتقمون } [ الزخرف : 41 ] .

وإنما عطف { فأغرقناهم } بالفاء على { انتقمنا منهم } مع أن إغراقهم هو عين الانتقام منهم ، إِمّا لأن فعل { انتقمنا } مؤَوَّل بقدَّرنا الانتقامَ منهم فيكون عطفُ { فأغرقناهم } بالفاء كالعطف في قوله : { أنْ يقول له كُن فيكونُ } [ يس : 82 ] ، وإما أن تُجعل الفاء زائدة لتأكيد تسبب { ءاسفونا } في الإغراق ، وأصل التركيب : انتقمنا منهم فأغرقناهم ، على أن جملة { فأغرقناهم } مبينة لجملة { انتقمنا منهم } فزيدت الفاء لتأكيد معنى التبيين ، وإما أن تجعل الفاء عاطفة جملة { انتقمنا } على جملة { فاستخف قومه } [ الزخرف : 54 ] فأغرقناهم أجمعين } وتكون جملة { انتقمنا } معترضة بين الجملة المفرعة والمفرعة عنها ، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم } [ الأعراف : 136 ] .

وفرع على إغراقهم أن الله جعلهم سلفاً لقوم آخرين ، أي يأتون بعدهم .