{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } وذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، كما سيأتي بيانه ، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل بحيث{[19258]} يزول العي ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة . ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت بقية ، قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون أنه قال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف 52 ] أي : يفصح بالكلام .
وقال الحسن البصري : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي } قال : حل عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أعطى .
وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءًا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ، فآتاه سؤله ، فحل عقدة من لسانه .
وقال ابن أبي حاتم : ذُكِرَ عن عَمْرو بن عثمان ، حدثنا بَقِيّة ، عن أرطأة بن المنذر ، حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب ، عنه قال : أتاه ذو قرابة له . فقال له : ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ، ولست تعرب في قراءتك ؟ فقال القرظي : يا ابن أخي ، ألست أفهمك إذا حدثتك{[19259]} ؟ . قال : نعم . قال : فإن موسى ، عليه السلام ، إنما سأل ربه أن يحل{[19260]} عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه ، ولم يزد عليها . هذا لفظه .
والعقدة التي دعا في حلها هي التي اعترته بالجمرة التي جعلها في فيه حين جربه فرعون » . وروي في ذلك أن فرعون أراد قتل موسى وهو طفل حين مد يده إلى لحية فرعون ، فقالت له امرأته إنه لا يعقل ، فقال بل هو يعقل وهو عدو لي ، فقالت له نجربه ، قال أفعل ، فدعت بجمرات من نار وبطبق فيه ياقوت فقالا : إن أخذ الياقوت علمنا أنه يعقل ، وإن أخذ النار عذرناه فمد موسى يده إلى جمرة فأخذها فلم تعد على يده ، فجعلها في فمه فأحرقته وأورث لسانه عقدة في كبره أي : حبسة ملبسة في بعض الحروف .
قال ابن الجوهري «كف الله تعالى النار عن يده لئلا يقول النار طبعي واحترق لسانه لئلا يقول موسى مكانتي » وموسى عليه السلام إنما طلب من حل العقدة قدر أن يفقه قوله ، فجائز أن يكون ذلك كله زال ، وجائز أن يكون بقي منه القليل ، فيجتمع أن يؤتى هو سؤله وأن يقول فرعون ، ولا يكاد يبين{[1]} ، ولو فرضناه زال جملة لكان قول فرعون سبا لموسى بحالته القديمة .
العُقدة : موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر منه ، وهي بزنة فُعلة بمعنى مفعول كقُضة وغُرفة ؛ أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف على وجه الاستعارة لعدم تصرف اللسان عند النطق بالكلمة وهي استعارة مصرّحة ، ويقال لها حُبْسة . يقال : عَقِد اللسان كفرح ، فهو أعقد إذا كان لا يبين الكلام . واستعار لإزالتها فعل الحل المناسب العقدة على طريقة الاستعارة المكنية .
وزيادة { لِي } بعد { اشْرَحْ } وبعد { يسر } إطناب كما أشار إليه صاحب « المفتاح » لأنّ الكلام مفيد بدونه .
ولكن سلك الإطناب لما تفيده اللام من معنى العلّة ، أي اشرح صدري لأجلي ويسر أمري لأجلي ، وهي اللام الملقبة لامَ التبيين التي تفيد تقوية البيان ، فإن قوله { صدري } و { أمري } واضح أن الشرح والتيسير متعلقان به فكان قوله لي فيهما زيادة بيان كقوله : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] وهو هنا ضرب من الإلحاح في الدعاء لنفسه .
وأمّا تقديم هذا المجرور على متعلقه فليحصل الإجمال ثم التفصيل فيفيد مفاد التأكيد من أجل تكرر الإسناد .
ولم يأت بذلك مع قوله { واحْللْ عُقدةً مِن لِساني } لأنّ ذلك سؤال يرجع إلى تبليغ رسالة الله إلى فرعون فليست فائدتها راجعة إليه حتى يأتي لها بلام التبيين .
وتنكير { عقدة } للتعظيم ، أي عقدة شديدة .
و { مِن لِساني } صفة لعُقْدة . وعدل عن أن يقول : عقدة لساني ، بالإضافة ليتأتى التنكير المشعر بأنها عقدة شديدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.