{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } وهذا يتضمن الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من الأخبار والأحكام . { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ } من رسله ، بل آمنوا بهم كلهم ، فهذا هو الإيمان الحقيقي ، واليقين المبني على البرهان .
{ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي : جزاء إيمانهم وما ترتب عليه من عمل صالح ، وقول حسن ، وخلق جميل ، كُلٌّ على حسب حاله . ولعل هذا هو السر في إضافة الأجور إليهم ، { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } يغفر السيئات ويتقبل الحسنات .
( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )
أما " المسلمون " فهم الذين يشتمل تصورهم الاعتقادي على الإيمان بالله ورسله جميعا ؛ بلا تفرقة . فكل الرسل عندهم موضع اعتقاد واحترام ؛ وكل الديانات السماوية عندهم حق - ما لم يقع فيها التحريف فلا تكون عندئذ من دين الله ، وإن بقي فيها جانب لم يحرف ، إذ أن الدين وحدة - وهم يتصورون الأمر - كما هو في حقيقته - : إلها واحدا ، ارتضى للناس دينا واحدا ؛ ووضع لحياتهم منهجا واحدا ، وأرسل رسله إلى الناس بهذا الدين الواحد وهذا المنهج الواحد . وموكب الإيمان - في حسهم - موصول ، يقوده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا - ونسبهم هم إلى هذا الموكب الموصول عريق ؛ وهم حملة هذه الأمانة الكبرى ، وهم ورثة هذا الخير الموصول على طول الطريق المبارك . . لا تفرقة ولا عزلة ولا انفصام . وإليهم وحدهم انتهى ميراث الدين الحق . وليس وراء ما عندهم إلا الباطل والضلال .
وهذا هو " الإسلام " الذي لا يقبل الله غيره من أحد . وهؤلاء هم " المسلمون " الذين يستحقون الأجر من الله على ما عملوا ، ويستحقون منه المغفرة والرحمة فيما قصروا فيه :
( أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ، وكان الله غفورا رحيمًا ) . .
والإسلام إنما يتشدد هذا التشدد في توحيد العقيدة في الله ورسله ، لأن هذا التوحيد هو الأساس اللائق بتصور المؤمن لإلهه - سبحانه - كما أنه هو الأساس اللائق بوجود منظم ، غير متروك للتعدد والتصادم . ولأنه هو العقيدة اللائقة بإنسان يرى وحدة الناموس في هذا الوجود أينما امتد بصره . ولأنه هو التصور الكفيل بضم المؤمنين جميعا في موكب واحد ، يقف أمام صفوف الكفر ، وفي حزب واحد يقف أمام أحزاب الشيطان . . ولكن هذا الصف الواحد ليس هو صف أصحاب الاعتقادات المحرفة - ولو كان لها أصل سماوي - إنما هو صف أصحاب الإيمان الصحيح والعقيدة التي لم يدخلها انحراف . .
ومن ثم كان " الإسلام " هو " الدين " . وكان " المسلمون " " خير أمة أخرجت للناس " المسلمون المعتقدون عقيدة صحيحة ، العاملون بهذه العقيدة . لا كل من ولد في بيت مسلم ، ولا كل من لاك لسانه كلمة الإسلام !
وفي ظل هذا البيان يبدو الذين يفرقون بين الله ورسله ، ويفرقون بين بعض الرسل وبعض ، منقطعين عن موكب الإيمان ، مفرقين للوحدة التي جمعها الله ، منكرين للوحدانية التي يقوم عليها الإيمان بالله .
وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } يعني بذلك : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله ، كما قال تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ [ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ] {[8540]} } [ البقرة : 285 ] .
ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل ، فقال : { أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } على ما آمنوا بالله ورسله { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : لذنوبهم أي : إن كان لبعضهم ذنوب .
{ والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } أضدادهم ومقابلوهم ، وإنما دخل بين على أحد وهو يقتضي متعددا لعمومه من حيث إنه وقع في سياق النفي . { أولئك سوف يؤتيهم أجورهم } الموعودة لهم وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر . وقرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب بالياء على تلوين الخطاب . { وكان الله غفورا } لما فرط منهم . { رحيما } عليهم بتضعيف حسناتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.