وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سُوَيد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عَمِل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " {[30386]} .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
وفي معجم الطبراني من حديث ابن لَهِيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجُرَشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرًا أو شرًّا ، إلا وهي مُخبرة " {[30387]} .
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه .
وأما سعيد بن جُبير ، فإنه كان يقول في ذلك ما :
حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّىءُ أخْبارَها » ومرة : تُحَدّثُ أخْبارَها .
فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبىء ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها ، فألقَت ما فيها وتخلّت .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها .
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّىءُ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : ما عمل عليها من خير أو شرّ ، { بأن ربك أوحى لها } ، قال : أعلمها ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخبْارَها } قال : ما كان فيها ، وعلى ظهرها من أعمال العباد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : تخبر الناس بما عملوا عليها .
وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس { أوْحَى لَهَا } قال : أوحى إليها .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ليس الخبر كالمعاينة{[11935]} » و «أخبار الأرض » قال ابن مسعود والثوري والثوري وغيره : هو شهادتهما بما عمل عليها من عمل صالح أو فاسد ، فالحديث على هذا حقيقة ، والكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى ، وأضاف الأخبار إليها من حيث وعتها وحصلتها ، وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى : { تحدث أخبارها } أن قول المحدث : حدثنا وأخبرنا سواء ، وقال الطبري وقوم : التحديث في الآية مجاز ، والمعنى أن تفعله بأمر الله من إخراج أثقالها وتفتت أجزائها وسائر أحوالها هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها ، ويؤيد القول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة{[11936]} » ، وقرأ عبد الله بن مسعود : «تنبىء أخبارها » ، وقرأ سعيد بن جبير : «تبين » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.