ف { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } موصيا لهم في هذه الحالة ، - التي لا يقدرون معها على شيء ، ولا مقاومة - بالمقاومة الإلهية ، والاستعانة الربانية : { اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ } أي : اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم ، ودفع ما يضركم ، وثقوا باللّه ، أنه سيتم أمركم { وَاصْبِرُوا } أي : الزموا الصبر على ما يحل بكم ، منتظرين للفرج .
{ إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ } ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها { يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ ص 301 ] أي : يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته ، ولكن العاقبة للمتقين ، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة ، فإن النصر لهم ، { وَالْعَاقِبَةُ } الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد ، أنه عند القدرة ، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير ، ما يقدر عليه ، وعند العجز ، أن يصبر ويستعين اللّه ، وينتظر الفرج .
ويدع السياق فرعون وملأه يتآمرون ، ويسدل الستار على مشهد التآمر والوعيد ، ليرفعه على مشهد خامس من مشاهد القصة ندرك منه أن فرعون قد مضى ينفذ الوعيد . . إنه مشهد النبي موسى - عليه السلام - مع قومه ، يحدثهم بقلب النبي ولغته ، ومعرفته بحقيقة ربه ؛ وبسنته وقدره ، فيوصيهم باحتمال الفتنة ، والصبر على البلية ، والاستعانة بالله عليها . ويعرفهم بحقيقة الواقع الكوني . فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده . والعاقبة لمن يتقون الله ولا يخشون أحداً سواه . . فإذا شكوا إليه أن هذا العذاب الذي يحل بهم قد حل بهم من قبل أن يأتيهم ، وهو يحل بهم كذلك بعدما جاءهم ، حيث لا تبدو له نهاية ، ولا يلوح له آخر ! أعلن لهم رجاءه في ربه أن يهلك عدوهم ، ويستخلفهم في الأرض ليبتليهم في أمانة الخلافة :
( قال موسى لقومه : استعينوا بالله واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين . قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا . قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض ، فينظر كيف تعملون ) .
إنها رؤية " النبي " لحقيقة الألوهية وإشراقها في قلبه . ولحقيقة الواقع الكوني والقوى التي تعمل فيه . ولحقيقة السنة الإلهية وما يرجوه منها الصابرون . .
إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد ، وهو الملاذ الحصين الأمين ، وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين . وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه . وألا يعجلوا ، فهم لا يطلعون الغيب ، ولا يعلمون الخير . .
وإن الأرض لله . وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها . والله يورثها من يشاء من عباده - وفق سنته وحكمته - فلا ينظر الداعون إلى رب العالمين ، إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها . . فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها !
وإن العاقبة للمتقين . . طال الزمن أم قصر . . فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير . ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد ، فيحسبونهم باقين . .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ الأرْضَ للّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : قال موسى لقومه من بني إسرائيل لما قال فرعون للملإ من قومه سنقتل أبناء بني إسرائيل ونستحيي نساءهم : اسْتَعِينُوا بَاللّهِ على فرعون وقومه فيما ينوبكم من أمركم ، واصبروا على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم من فرعون .
وكان قد تبع موسى من بني إسرائيل على ما :
حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما آمنت السحرة ، اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل .
وقوله : إنّ الأرْضَ لِلّهِ يُوِرُثها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِباده يقول : إن الأرض لله ، لعلّ الله أن يُورِثَكم إن صَبَرتم على ما نالكم من مكروه في أنفسكم وأولادكم من فرعون ، واحتسبتم ذلك ، واستقمتم على السداد أرضَ فرعون وقومه ، بأن يهلكهم ويستخلفكم فيها ، فإن الله يورث أرضه من يشاء من عباده . والعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ يقول : والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله وراقبه ، فخافه باجتناب معاصيه وأدّى فرائضه .
{ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا } لما سمعوا قول فرعون وتضجروا منه تسكينا لهم . { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } تسلية لهم وتقرير للأمر بالاستعانة بالله والتثبت في الأمر . { والعاقبة للمتقين } وعد لهم بالنصرة وتذكير لما وعدهم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وتحقيق له . وقرئ و{ العاقبة } بالنصب عطف على اسم أن واللام في { الأرض } تحتمل العهد والجنس .
لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عند الله { استعينوا بالله واصبروا } وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله وليس في اللفظ شيء من ذلك و { الأرض } أرض الدنيا وهو الأظهر ، وقيل المراد هنا أرض الجنة ، وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير ، وقرأت فرقة «يورَثها » بفتح الراء ، وقرأ السبعة «يوْرِثها » ساكنة الواو خفيفة الراء مكسورة ، وروى حفص عن عاصم وهي قراءة الحسن «يورّثها » بتشديد الراء على المبالغة ، والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.