تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

فحينئذ قال عيسى عليه السلام ، وهو في المهد صبي : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ } فخاطبهم بوصفه بالعبودية ، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها ، أو ابنا للإله ، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ْ } ومدعون موافقته .

{ آتَانِيَ الْكِتَابَ ْ } أي : قضى أن يؤتيني الكتب { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ } فأخبرهم بأنه عبد الله ، وأن الله علمه الكتاب ، وجعله من جملة أنبيائه ، فهذا من كماله لنفسه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

16

ولكن ها هي ذي الخارقة العجيبة تقع مرة أخرى :

قال : إني عبد الله ، آتاني الكتاب ، وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أينما كنت ، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا .

وهكذا يعلن عيسى - عليه السلام - عبوديته لله . فليس هو ابنه كما تدعي فرقة . وليس هو إلها كما تدعي فرقة . وليس هو ثالث ثلاثة هم إله واحد وهم ثلاثة كما تدعي فرقة . . ويعلن أن الله جعله نبيا ، لا ولدا ولا شريكا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } .

يقول تعالى ذكره : فلما قال قوم مريم لها كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا وظنوا أن ذلك منها استهزاء بهم ، قال عيسى لها متكلما عن أمه : إنّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الكِتاب . وكانوا حين أشارت لهم إلى عيسى فيما ذُكر عنهم غضبوا ، كما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما أشارت لهم إلى عيسى غضبوا ، وقالوا : لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبيّ أشدّ علينا من زناها قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا فأجابهم عيسى عنها فقال لهم إنّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا . . . الاَية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا قال لهم : إنّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا فقرأ حتى بلغ ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارا شَقِيّا فقالوا : إن هذا لأمر عظيم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا قال إنّي عَبْدُ اللّهِ لم يتكلم عيسى إلا عند ذلك حين قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا .

وقوله : آتانِيَ الكِتابَ يقول القائل : أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخلق في بطن أمه فإن معنى ذلك بخلاف ما يظنّ ، وإنما معناه : وقضى يوم قضى أمور خلقه إليّ أن يؤتيني الكتاب ، كما :

حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا الضحاك ، يعني ابن مخلد ، عن سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة قالَ آتانِيَ الكِتابَ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب فيما مضى .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله إنّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الكِتابَ قال : القضاء .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قول الله إنّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الكِتابَ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب .

وقوله : وَجَعَلَنِي نَبِيّا وقد بيّنت معنى النبيّ واختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وكان مجاهد يقول في معنى النبيّ وحده ما :

حدثنا به محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : النبيّ وحده الذي يكلم وينزل عليه الوحي ولا يرسل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

كلام عيسى هذا مما أهملته أناجيل النصارى لأنهم طووا خبر وصولها إلى أهلها بعد وضعها ، وهو طيّ يتعجب منه . ويدل على أنها كتبت في أحوال غير مضبوطة ، فأطلع الله تعالى عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم .

والابتداء بوصف العبودية لله ألقاه الله على لسان عيسى لأن الله علم بأن قوماً سيقولون : إنه ابن الله .

والتعبير عن إيتاء الكتاب بفعل المضي مراد به أن الله قدّر إيتاءه إياه ، أي قدّر أن يوتيني الكتاب .

والكتاب : الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير . فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن . والمراد بالكتاب الإنجيل وهو ما كتب من الوحي الذي خاطب الله به عيسى . ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فيكون الإيتاء إيتاءَ علم ما في التوراة كقوله تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] فيكون قوله { وجعلني نبيئاً } ارتقاء في المراتب التي آتاه الله إياها .

والقول في التعبير عنه بالماضي كالقول في قوله و { ءاتانِي الكِتَابَ } .