روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

{ قَالَ } استئناف مبني على سؤال نشأ من سياق النظم الكريم كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك ؟ فقيل : قال عيسى عليه السلام { إني عَبْدُ الله } روى أنه عليه السلام كان يرضع فلما سمع ما قالوا ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته فقال ما قال ، وقيل إن زكريا عليه السلام أقبل عليه يستنطقه فقال ذلك وذكر عبوديته لله تعالى أولاً لأن الاعتراف بذلك على ما قيل أول مقامات السالكين . وفيه رد على من يزعم ربوبيته ، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا وذلك من المسلمات عندهم ، وفيه من إجلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح ، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة .

واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني { الكتاب } الظاهر أنه الإنجيل . وقيل التوراة . وقيل مجموعهما { وجعلني نَبِيّاً } .

ومن باب الإشارة وذكر أنه عليه السلام طوى كل وصف جميل في مطاوي قوله : { إني عَبْدُ الله } [ مريم : 30 ] وذلك لما قلوا من أنه لا يدعى أحد بعبد الله إلا إذا صار مظهراً لجميع الصفات الإلهية المشير إليها الاسم الجليل ، وجعل على هذا قوله : { آتاني الكتاب } [ مريم : 30 ] الخ كالتعليل لهذه الدعوى . وذكروا أن العبد مضافاً إلى ضميره تعالى أبلغ مدحاً مما ذكر وأن صاحب ذلك المقام هو نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكأن مرادهم أن العبد مضافاً إلى ضميره سبحانه كذلك إذا لم يقرن بعلم ك { عبده زكريا } وإلا فدعوى الاختصاص لا تتم فليتدبر .