الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

{ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } فأقرّ على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم تكذيباً للنصارى وإلزاماً للحجة عليهم .

قال عمرو بن ميمون : إن مريم لما أتت قومها بعيسى اخذوا لها الحجارة ليرموها فلمّا تكلّم عيسى تركوها ، قالوا : ثم لم يتكلّم عيسى بعد هذا حتى كان بمنزلة غيره من الصبيان .

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمسة تكلّموا قبل إباّن الكلام : شاهد يوسف ، وولد ماشطة بنت فرعون ، وعيسى ، وصاحب جريح ، وولد المرأة التي أحرقت في الأُخدود .

فأمّا شاهد يوسف فقد مرَّ ذكره ، وأمّا ولد الماشطة ، فأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن قال : حدَّثنا داود بن سليمان قال : حدَّثنا عبد بن حميد قال : حدَّثنا الحسن بن موسى قال : حدَّثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أُسري به مرّت به رائحة طيبة فقال : يا جبرئيل ما هذه الرائحة ؟ قال : ماشطة بنت فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها ، فقالت : بسم الله ، فقالت ابنته : أبي ؟ فقالت : لا بل ربّي وربّك وربّ أبيك .

فقالت : أخبر بذلك أبي قالت : نعم ، فأخبرته فدعا بها فقال : من ربّك ؟ قالت : ربّي ورّبك في السماء ، فأمر فرعون ببقرة من نحاس فأُحميت فدعا بها وبولدها فقالت : إن لي إليك حاجة قال : ما هي ؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنها جميعاً فقال : ذلك لك علينا من الحق ، فأمر بأولادها فألقى واحداً واحداً حتى إذا كان آخر ولدها وكان صبيّا مرضعاً فقال : اصبري يا أُماه فإنّا على الحق ، قال : ثم أُلقيت مع ولدها " .

وأمّا صاحب جريح فأخبرنا عبد الله بن حامد الاصبهاني قال : أخبرنا محمد بن الحسين الزعفراني قال : حدَّثنا أحمد بن الخليل قال : حدَّثنا يونس بن محمد المؤدب ، قال : حدَّثنا الليث ابن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرنا عبد الله [ بن حامد ] قال : أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن قال : حدَّثنا راشد بن سليمان قال : حدَّثنا عبد بن حميد قال : حدَّثنا هاشم بن القاسم قال : حدَّثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنّ رجلاً يقال له جريح كان راهباً يتعبّد في صومعته فأتته أُمّه لتسلّم عليه فنادته : يا جريح اطلع إليّ انظر إليك ، فوافقته يصلّي فقال : أُمّي وصلاتي لرّبي ، أُوثر صلاتي لربّي على أُمّي ، فانصرفت ثم جاءت الثانية فنادته : يا جريح كلّمني فوافقته يصلّي فاختار صلاته ، ثمّ جاءته الثالثة فاختار صلاته فقالت : إنّه أبى أن يكلّمني ، اللهمّ لا تمته حتى تنظر في وجهه زواني المدينة ، قال : ولو دعت عليه أن يفتن لفتن " .

قال : وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره ، فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها فحملت فولدت غلاماً فقيل لها : ممّن هذا ؟ فقالت : من صاحب الصومعة ، فأتوه وهدّموا صومعته وانطلقوا به إلى ملكهم ، فلمّا مرَّ على حوانيت الزواني خرجن ، فتبسم وعرف أنّه دعاء أُمّه ، فقالوا : لم يضحك حين مرَّ على الزواني ؟ فلمّا أُدخل على ملكهم قال جريح : أين الصبي الذي ولدت ؟ فأتي به فقال له جريح : مَنْ أبوك ؟ قال : أبي فلان الراعي ، فابرأ الله سبحانه جريحاً وأعظمه الناس ، وقالوا : نبني لك ديرك بالذهب والفضة قال : لا ولكن أعيدوه كما كان ، ثمّ علاه .

وأمّا ولد صاحبة الأُخدود فسنذكرها في موضعها إن شاء الله .

{ آتَانِيَ الْكِتَابَ } يعني يؤتيني الكتاب لفظه ماض ومعناه مستقبل ، وقيل : إنه أخبر عمّا كتب له في اللوح المحفوظ كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم متى كُتبتَ نبياً ؟ قال : " كُتبتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد " .

وقيل : معناه علمني وألهمني التوراة في بطن أُمّي .

{ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً }