تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ} (15)

{ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } إخبار بأن الله سيصرفه عنكم وتوعد لهم أن يعودوا إلى الاستكبار والتكذيب وإخبار بوقوعه فوقع وأن الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى ، قالوا : وهي وقعة بدر وفي هذا القول نظر ظاهر .

وقيل : إن المراد بذلك أن ذلك من أشراط الساعة وأنه يكون في آخر الزمان دخان يأخذ بأنفاس الناس ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان ، والقول هو الأول ، وفي الآية احتمال أن المراد بقوله : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ } أن هذا كله يكون يوم القيامة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ} (15)

وقوله تعالى : ( إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ) . . يحتمل معنيين : أحدهما : أنه يقول تعالى : ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب . كقوله تعالى : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ) . . وكقوله جلت عظمته : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) . . والثاني : أن يكون المراد : إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ، ووصوله إليكم ، وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال . ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم . كقوله تعالى : ( إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) . . ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم ، بل كان قد انعقد سببه عليهم . . . وقال قتادة : إنكم عائدون إلى عذاب الله . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ} (15)

وقوله : إنّا كاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً إنّكُمْ عائِدُونَ يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنهم يستغيثون به من الدخان النازل والعذاب الحالّ بهم من الجهد ، وأخبر عنهم أنهم يعاهدونه أنه إن كشف العذاب عنهم آمنوا إنا كاشفوا العذاب : يعني الضرّ النازل بهم بالخصب الذي نحدثه لهم قَلِيلاً إنّكُمْ عائِدُونَ يقول : إنكم أيها المشركون إذا كَشَفْتُ عنكم ما بكم من ضرّ لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربكم من الإيمان ، ولكنكم تعودون في ضلالتكم وغيكم ، وما كنتم قبل أن يكشف عنكم .

وكان قتادة يقول : معناه : إنكم عائدون في عذاب الله .

حدثنا بذلك ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر عنه . وأما الذين قالوا : عنى بقوله : يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدخان نفسه ، فإنهم قالوا في هذا الموضع : عنى بالعذاب الذي قال إنّا كاشِفُوا العَذَابِ : الدخان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّا كاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً يعني الدخان .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّا كاشِفُوا العَذَبِ قَلِيلاً قال : قد فعل ، كشف الدخان حين كان .

قوله : إنّكُمْ عائِدونَ قال : كُشِف عنهم فعادوا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إنّكُمْ عائِدُونَ إلى عذاب الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ} (15)

يجيء على مَا فسر به جميع المفسرين قولَه { ربنا اكشف عنا العذاب } [ الدخان : 12 ] ، أن هذه الجملة جواب لسؤالهم ، ويجيء على ما درجنا عليه أن تكون هذه الجملة إعلاماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأنْ يُكشَف العذابُ المتوعَّد به المشركون مدةً ، فيعودون إلى ما كانوا فيه ، وعليه فضمير { إنكم عائدون } التفات إلى خطاب المشركين ، أي يُمسكون عن ذلك مدة وهي المدة التي أرسلوا فيها وفْدَهم إلى المدينة ليسأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بكشف القحط عنهم فإنهم أيامئذٍ يمسكون عن الطعن والذمّ رجاء أن يدعو لهم ثم يعودون لما كانوا فيه ، كما قال تعالى : { وإذا مَسّ الإنسانَ ضرٌّ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمةً منه نَسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله } [ الزمر : 8 ] كما اقتضى أن العذاب عائد إليهم بعد عودتهم إلى ما كانوا فيه من أسباب إصابتهم بالعذاب .

فمعنى { إنا كاشفوا العذاب } : إنا كاشفوه في المستقبل بقرينة قوله قبله { فارتَقب يوم تأتي السماء بدخاننٍ مبينٍ } [ الدخان : 10 ] المقتضي أنه يحصل في المستقبل ، والآية متصل بعضها ببعض وكذلك معنى { إنكم عائدون } ، أي في المستقبل . واسم الفاعل يكون مراداً به الحصول في المستقبل بالقرينة . روي أنهم كشف عنهم القحط بعد استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم فحيُوا وحييت أنعامهم ثم عادُوا فعاودهم القحط كمال سبع سنين ، ولعلها عقبها فتحُ مكة .

وجملة { إنكم عائدون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنهم إذا سمعوا { إنا كاشفوا العذاب قليلاً } تطلّعوا إلى ما سيكون بعدَ كشفه ، وتطلعَ المؤمنون إلى ما تصير إليه حال المشركين بعد كشف العذاب هل يقلعون عن الطعن فكان قوله : { إنكم عائدون } مبيناً لما يتساءلون همخ .