تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

{ كَلَّا } أي : ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق ، ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر ، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل .

وأيضًا ، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط ، من ضعف الهمة ، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين ، فقال : { كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الذي فقد أباه وكاسبه ، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه .

فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه ، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم ، وعدم الرغبة في الخير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

" كلا . بل لا تكرمون اليتيم ، ولا تحاضون على طعام المسكين . وتأكلون التراث أكلا لما ، وتحبون المال حبا جما " . .

كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان . ليس بسط الرزق دليلا على الكرامة عند الله . وليس تضييق الرزق دليلا على المهانة والإهمال . إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء ، ولا توفون بحق المال . فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

وقوله : كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : كَلاّ في هذا الموضع ، وما الذي أنكر بذلك ، فقال بعضهم : أنكر جلّ ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله ، وسبب إهانته من أهان قلة ماله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيقُولُ رَبّي أهانني ما أسرع ما كفر ابن آدم يقول الله جلّ ثناؤه : كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا ، ولا أهين من أهنت بقلتها ، ولكن إنما أُكرم من أكرمت بطاعتي ، وأُهين من أهنت بمعصيتي .

وقال آخرون : بل أنكر جلّ ثناؤه حمد الإنسان ربه على نِعمه دون فقره ، وشكواه الفاقة . وقالوا : معنى الكلام : كلاّ ، أي لم يكن ينبغي أن يكون هكذا ، ولكن كان ينبغي أن يحمده على الأمرين جميعا ، على الغنى والفقر .

وأولى القولين في ذلك بالصواب : القول الذي ذكرناه عن قتادة ، لدلالة قوله بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ والاَيات التي بعدها ، على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم ، ولا يَحُضّ على طعام المسكين ، وسائر المعاني التي عدّد ، وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان ، الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم ، وفي تبيينه ذلك عَقيب قوله : فَأمّا الإنْسانُ إذَا ما ابْتَلاهُ رَبّهُ فَأكْرَمَهُ وَنَعّمَهُ فَيَقُولُ رَبّي أكْرَمَنِ وَأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا .

وقوله : بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ يقول تعالى ذكره : بل إنما أهنت من أَهَنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم ، فأخرج الكلام على الخطاب ، فقال : بل لستم تكرمون اليتيم ، فلذلك أهنتكم وَلا تَحَاضّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قرّاء الكوفة بَلْ لا تُكْرِمونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضّونَ بالتاء أيضا وفتحها ، وإثبات الألف فيها ، بمعنى : ولا يحضّ بعضكم بعضا على طعام المسكين . وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء المدينة ، بالتاء وفتحها وحذف الألف : «وَلا تَحُضّونَ » بمعنى : ولا تأمرون بإطعام المسكين . وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة : «يَحُضّونَ » بالياء وحذف الألف ، بمعنى : ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني ، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني اليتيم ، «وَلا يَحُضّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ » وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة «يُكْرِمُونَ » وسائر الحروف معها بالياء ، على وجه الخبر عن الذين ذكرت . وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ : «تُحاضّونَ » بالتاء وضمها وإثبات الألف ، بمعنى : ولا تحافظون .

والصواب من القول في ذلك عندي : أن هذه قراءات معروفات في قراءة الأمصار ، أعني القراءات الثلاث صحيحات المعاني ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

ثم قال تعالى : { كلا } ردّاً على قولهم ومعتقدهم ، أي ليس إكرام الله تعالى وإهانته ، في ذلك ، وإنما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى أن يشكر ويطيع ، ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر ، وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى ، وإهانته فبالمعصية ، ثم أخبرهم بأعمالهم من أنهم لا يكرمون اليتيم وهو من بني آدم الذي فقد أباه وكان غير بالغ . ومن البهائم ما فقد أمه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أحَبُّ البيوت إلى الله ، بيت فيه يتيم مكرم {[11801]} » .


[11801]:أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، عن عمر رضي الله عنه، وأخرجه العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية عن عمر أيضا ولكن بلفظ (خير بيوتكم بيت فيه يتيم مكرم)، ورمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح.