التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

15

تعليق على ما أولاه القرآن

من العناية باليتيم

وبمناسبة التنديد في الآية [ 17 ] بالذين لا يكرمون اليتيم نقول إن القرآن المكي والمدني معاً قد احتوى آيات كثيرة بلغ عددها اثنتين وعشرين في صدد العناية باليتيم وتكريمه وحفظ ماله وإعطائه حقه وعدم معاملته بالعنف والقسوة والنهي عن أكل ماله وأذيته والتحايل عليه . والإنفاق والتصدق على فقراء اليتامى وتخصيص نصيب لهؤلاء في موارد الدولة الإسلامية الرسمية ، وبعبارة أخرى جعل ذلك من واجبات هذه الدولة أسوة بالمسكين ولأنه على الأرجح من نوعه لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ، حيث يدل هذا على عظم عناية حكمة التنزيل به طيلة زمن التنزيل في مكة والمدينة . نورد منها الأمثلة الآتية :

1-{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ( 1 ) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ( 2 ) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ( 3 ) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ( 5 ) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ( 6 ) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ( 7 ) } الماعون[ 1-7 ] .

2- { فأما اليتيم فلا تقهر( 9 ) } الضحى[ 9 ] .

3- { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( 11 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ( 12 ) فَكُّ رَقَبَةٍ( 13 ) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ( 14 ) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ( 15 ) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ( 16 ) } البلد : [ 11- 16 ] .

4- { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } الإسراء [ 34 ] .

5- { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( 38 ) } الروم : [ 38 ] .

6- { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ( 215 ) }البقرة : [ 215 ]

7- { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } الأنفال : [ 41 ] .

8- { وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا( 2 ) }النساء : [ 2 ] .

9- { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا( 10 ) } النساء : [ 10 ] .

10- { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } الحشر : [ 10 ] .

ولما كان اليتيم على الأكثر ضعيفا فاقد المعين والكافل والمنفق فالعناية القرآنية به متسقة مع روح البرّ والحق والعدل التي انطوت في المبادئ القرآنية والدعوة الإسلامية منذ البدء ، كما هو شأن البر بالمساكين على ما مر شرحه في سياق سورة المدثر .

ولعل في كثرة ما جاء في حق اليتيم صورة لما كان اليتيم معرضاً له قبل البعثة من صنوف الهضم والأذى والإهمال والحرمان . وفي آيات الإسراء المكية والنساء المدنية ما يفيد أنه كان الذين يترك لهم آباؤهم مالاً منهم معرضين لضياع إرثهم وأكله من قبل الأوصياء والأولياء ، فاقتضت حكمة التنزيل أن توالى الحث والنهي والإنذار في شأنه بأساليب متنوعة وأحياناً بأساليب قارعة . ولقد أثرت أحاديث نبوية عديدة في البر والعناية باليتيم . منها حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا وكافلُ اليتيم في الجنّةِ هكذا وقال بإصبَعه السّبابة والوسطَى ){[2414]} . وحديث رواه الشيخان عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله وما هنّ ؟ قال الشركُ بالله والسّحرُ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكلُ الربا وأكلُ اليتيم والتولّي يوم الزحف وقذفُ المحصَناتِ الغافلات المؤمنَاتِ ){[2415]} . وحديث رواه الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قبضَ يتيماً من بين مُسلمينَ إلى طَعامِه وشرَابِهِ أدخله الله الجنة ألبتة إلا أن يعمل ذنباً لا يُغفرَ له ){[2416]} .

وهناك حديث أورده ابن كثير في سياق الآية [ 10 ] من سورة النساء أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسريَ بك ؟ قال : انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجالٌ كل رجل منهم له مشفرانِ كمشفَرَي البعير . وهو موكّل بهم رجالٌ يفكون لحاء أحدهم ثم يُجاء بصخرة من نار فتقذف في أحدهم حتى تخرج من أسفله . ولهم جُؤار وصُراخ . قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) . وحديث آخر أورده المفسر نفسه في صحيح ابن حبان عن أبي حرزة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث يوم القيامة قومٌ من قبورهم تأجّج أفواههم ناراً . قيل يا رسول الله من هم قال ألم تر إلى أن الله قال : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً } النساء : [ 10 ] حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الأمر الخطير كما هو في كل أمر آخر .

وفي الآيات تنديد بمن لا يحض على طعام المسكين . ولقد سبق مثل هذا في آية سورة المدثر وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار .


[2414]:- التاج ج 5 ص 13.
[2415]:- المصدر نفسه ج 3 ص 4- 5.
[2416]:- المصدر السابق نفسه.