اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ} (17)

قوله تعالى : { كَلاَّ } : ردعٌ للإنسان عن تلك المقالة .

قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - المعنى : لم أبتله بالغنى ، لكرامته عليّ ، ولم أبتله بالفقرِ ، لهوانه عليّ ، بل ذلك لمحضِ القضاء والقدر ، والمشيئة والحكم المنزه عن التعليل{[60153]} ، وهذا مذهب أهل السنة ، وأما على مذهب المعتزلة : فلمصالح خفيَّة ، لا يطلع عليها إلا هو - سبحانه - فقد يوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقتر على المؤمن لا لهوانه .

قال الفراء في هذا الموضع : يعني : لم يكن للعبد أن يكون هكذا ، ولكن يحمد الله - تعالى - على الغنى والفقر .

قوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم } . قرأ أبو عمرو{[60154]} : «يكرمون » ، وما بعده بياء الغيبة ، حملاً على معنى الإنسان المتقدم ، إذا المراد به الجنس ، والجنس في معنى : الجمع .

والباقون : بالتاء في الجميع ، خطاباً للإنسان المراد به الجنس ، على طريقة الالتفات .

فصل فيمن نزلت فيه الآية

لما حكى قولهم ، فكأنه قال : لهم فعل أشر من هذا القول ، وهو أن الله - تعالى - يكرمهم بكثرة المال ، فلا يؤدون ما يلزمهم من إكرام اليتيم ، فقرعهم بذلك ، ووبخهم . وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه ، وأكل ماله .

وقال مقاتلٌ : نزلت في قدامة بن مظعونٍ ، وكان يتيماً في حجر أمية بن خلف ، وكان يدفعه عن حقه{[60155]} .


[60153]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/35) عن ابن عباس.
[60154]:ينظر: السبعة 685، والحجة 6/409، وإعراب القراءات 2/479، وحجة القراءات 762.
[60155]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/35) عن ابن عباس.