تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

فلما دعا العباد النظر إلى لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه ، أمر بما هو المقصود من ذلك ، وهو الفرار إليه أي : الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا ، إلى ما يحبه ، ظاهرًا وباطنًا ، فرار من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، و من الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور ، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب ، وحصل له ، نهاية المراد{[863]}  والمطلوب .

وسمى الله الرجوع إليه ، فرارَا ، لأن في الرجوع لغيره ، أنواع المخاوف والمكاره ، وفي الرجوع إليه ، أنواع المحاب والأمن ، [ والسرور ] والسعادة والفوز ، فيفر العبد من قضائه وقدره ، إلى قضائه وقدره ، وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى ، فإنه بحسب الخوف منه ، يكون الفرار إليه ، { إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : منذر لكم من عذاب الله ، ومخوف بين النذارة .


[863]:- في ب: غاية المراد.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهائلة المدى : في أجواز السماء ، وفي آماد الأرض ، وفي أعماق الخلائق . يهتف بالبشر ليفروا إلى خالق السماء والأرض والخلائق ، متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها ؛ موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك .

( ففروا إلى الله ، إني لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ، إني لكم منه نذير مبين ) . .

والتعبير بلفظ الفرار عجيب حقا . وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال والأوهاق ، التي تشد النفس البشرية إلى هذه الأرض ، وتثقلها عن الانطلاق ، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال . وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود ومن ثم يجيء الهتاف قويا للانطلاق والتملص والفرار إلى الله من هذه الأثقال والقيود ! الفرار إلى الله وحده منزها عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر : ( إني لكم منه نذير مبين ) . . وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين ، زيادة في التنبيه والتحذير !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّهِ إِلََهاً آخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ } .

يقول تعالى ذكره : فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به ، واتباع أمره ، والعمل بطاعته إنّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ يقول : إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذي قصّ عليكم قصصهم ، والذي هو مذيقهم في الاَخرة .

وقوله : مُبِينٌ يقول : يبين لكم نذارته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

{ ففروا إلى الله } من عقابه بالإيمان والتوحيد وملازمة الطاعة . { إني لكم منه } أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى . { نذير مبين } بين كونه منذرا من الله بالمعجزات ، أو { مبين } ما يجب أن يحذر عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (50)

وقوله : { ففروا } أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله ، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً وأمراً حقه أن يفر منه ، فجمعت لفظة «فروا » بين التحذير والاستدعاء ، وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك »{[10619]} الحديث ، قال الحسن بن الفضل : من فر إلى غير الله .


[10619]:أخرجه البخاري في الوضوء والدعوات والتوحيد، ومسلم في الذكر، وأبو داود في الأدب، والترمذي وابن ماجه في الدعاء، والدارمي في الاستئذان، وأحمد في مسنده(4-285، 290، 292)، وهو عن البراء بن عازب، ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من الأنصار أن يقول إذا أخذ مضجعه:(اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت)، فإن مات مات على الفطرة.