تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَذَرۡنِي وَٱلۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا} (11)

{ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ } أي : اتركني وإياهم ، فسأنتقم منهم ، وإن أمهلتهم فلا أهملهم ، وقوله : { أُولِي النَّعْمَةِ } أي : أصحاب النعمة والغنى ، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه ، وأمدهم من فضله كما قال تعالى : { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَذَرۡنِي وَٱلۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُوْلِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } .

يعني تعالى ذكره بقوله وَذَرْنِي وَالمُكَذّبينَ فدعني يا محمد والمكذّبين بآياتي أُولى النّعْمَةِ يعني أهل التنعم في الدنيا وَمَهّلْهُمْ قَليلاً يقول : وأخرهم بالعذاب الذي بسطته لهم قليلاً حتى يبلغ الكتاب أجله . وذُكر أن الذي كان بين نزول هذه الاَية وبين بدر يسير . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن عباد ، عن أبيه ، عن عباد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : لما نزلت هذه الاَية : وَذَرْنِي والمُكَذّبِينَ أُولي النّعْمَة وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً إنّ لَدَيْنا أنْكالاً وجَحِيما . . . الاَية ، قالت : لم يكن إلا يسير حتى كانت وقعة بدر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : وَذَرْنِي وَالمُكَذّبِينَ أُولي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً يقول : إن لله فيهم طَلِبة وحاجة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَذَرۡنِي وَٱلۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا} (11)

القول فيه كالقول في { فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث } في سورة القلم ( 44 ) ، أي دعني وإياهم ، أي لا تهتم بتكذيبهم ولا تشتغل بتكرير الرد عليهم ولا تغضب ولا تسبهم فأنا أكفيكهم .

وانتصب { المكذبين } على المفعول معه ، والواو واو المعية .

والمكذبون هم من عناهم بضمير { يقولون } و { اهجرهم } [ المزمل : 10 ] ، وهم المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة ، فهو إظهار في مقام الإِضمار لإِفادة أن التكذيب هو سبب هذا التهديد .

ووصَفَهم ب { أولي النَّعمة } توبيخاً لهم بأنهم كذبوا لغرورهم وبطرهم بسعة حالهم ، وتهديداً لهم بأن الذي قال { ذرني والمكذبين } سيزيل عنهم ذلك التنعم .

وفي هذا الوصف تعريض بالتهكم ، لأنهم كانوا يعدُّون سعة العيش ووفرة المال كمالاً ، وكانوا يعيّرون الذين آمنوا بالخصاصة قال تعالى : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزُون الآيات } [ المطففين : 29 ، 30 ] ، وقال تعالى : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } [ محمد : 12 ] .

و { النَّعمة } : هنا بفتح النون باتفاق القراء . وهي اسم للترفه ، وجمعها أنعُم بفتح الهمزة وضم العين .

وأما النِّعمة بكسر النون فاسم للحالة الملائمة لرغبة الإِنسان من عافية ، وأمن ورزق ، ونحو ذلك من الرغائب . وجمعها : نِعَم بكسر النون وفتح العين ، وتجمع جمع سلامة على نِعمات بكسر النون وبفتح العين لجمهور العرب . وتكسر العين في لغة أهل الحجاز كَسْرَة إِتباع .

والنُّعمة بضم النون اسم للمسرّة فيجوز أن تجمع على نُعْم على أنه اسم جمع ، ويجوز أن تجمع على نُعَم بضم ففتح مثل : غرفة وغرف ، وهو مطرد في الوزن .

وجعلهم ذوي النَّعمة المفتوحة النون للإِشارة إلى أن قُصارى حظهم في هذه الحياة هي النَعمة ، أي الانطلاق في العيش بلا ضيق ، والاستظلال بالبيوت والجنات ، والإِقبال على لذيذ الطعوم ولذائذ الانبساط إلى النساء والخمر والميسر ، وهم معرضون عن كمالات النفس ولذة الاهتداء والمعرفة قال تعالى : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاً } [ الفرقان : 44 ] وتعريف { النَّعمة } للعهد .

والتمهيل : الإِمهال الشديد ، والإِمهال : التأجيل وتأخير العقوبة ، وهو مترتب في المعنى على قوله : { وذرني والمكذبين } ، أي وانتظر أن ننتصِرْ لك كقوله تعالى : { ولا تستعجل لهم } [ الأحقاف : 35 ] .

و { قليلاً } وصف لمصدر محذوف ، أي تمهيلاً قليلاً . وانتصب على المفعول المطلق .