تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَذَرۡنِي وَٱلۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا} (11)

الآية11 : وقوله تعالى : { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا } فيه أن أهل الخصبة والدعة ، هم الذين اشتغلوا بالتكذيب ، وهم الذين كانوا يصدّون عن سبيل الله كما قال : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها }[ الأنعام : 123 ] وقال : { وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها }[ سبأ : 34 ] فخص أولي النعمة بالذكر لهذا .

ثم في قوله : { وذرني والمكذبين } إيهام بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق منه المنع ، ولم يوجد من رسول الله حيلولة ومنع ، ولكن مثل هذا الخطاب موجود في كتاب الله في غير آية{[22473]} من كتابه ، وهو أنه يُخَرَّجَ مُخرَجا يوهم أن هناك مقدمة ، وإن لم يكن فيها مقدمة في التحقيق .

قال الله تعالى : { والسماء رفعها }[ الرحمن : 7 ] ولم يكن فيه تحقيق الوضع ، وإن كان الرفع يستعمل في الشيء الموضوع . وكان تأويل الرفع ههنا بأنها خلقت مرفوعة ، وقال تعالى : { والأرض وضعها للأنام }[ الرحمن : 10 ] ولم تكن مرفوعة ، فوضعها ، وكان معناه : أنها خلقت موضوعة .

وقال يوسف عليه السلام : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } [ يوسف : 37 ] ولم يسبق منه دخول في دين أولئك ، فيكون تاركا له بعد ما دخل فيه .

وقال تعال : { والله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات }[ البقرة : 275 ] ولم يقتض قوله عز وجل : { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } كونهم في النور فيخرجونهم منه ، وإن كان في الظاهر يؤدي ذلك .

[ فعلى ذلك ]{[22474]} قوله : { وذرني والمكذبين } وإن كان في الظاهر يقتضي حيلولة ومنعا .

فليس في الحقيقة إثبات منع ، ويذكر غير هذا في سورة المدّثر{[22475]} .

ثم قوله تعالى : { وذرني والمكذبين } ومعناه : لا تجازهم/ 607 – ب/ بصنيعهم ، ولا{[22476]} تستعجل عليهم بالدعاء{ وأولي النعمة ومهّلهم قليلا }{ فسيكفيكهم الله }[ البقرة : 137 ] .

وقيل في الفرق بين النَّعمة والنِّعمة : إن النَّعمة ما تعطي للعبد إرادة استدراجه فيها وهلاكه كقوله عز وجل : { ونَعمة كانوا فيها فاكهين }[ الدخان : 27 ] والنِّعمة هي{[22477]} منّة الله تعالى على عباده تفضلا عليهم كقوله تعالى : { وأسبغ عليكم نِعمه ظاهرة وباطنة }[ لقمان : 20 ] والله أعلم .


[22473]:في الأصل و م: آي.
[22474]:من م، ساقطة من الأصل.
[22475]:وهو قوله:{ذرني ومن خلقت وحيدا}[الآية:11].
[22476]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[22477]:في الأصل و م: هو.