{ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا } أي : مثل عاد { فِي الْبِلَادِ } أي : في جميع البلدان [ في القوة والشدة ] ، كما قال لهم نبيهم هود عليه السلام : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
وقوله : الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ يقول جلّ ثناؤه : ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد ، يعني : مثل عاد ، والهاء عائدة على عاد . وجائز أن تكون عائدة على إرم ، لما قد بيّنا قبلُ أنها قبيلة . وإنما عُنِي بقوله : لم يُخلق مثلها في العِظَمِ والبطش والأَيْد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ : ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولاً في السماء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد ، لم يخلق مثل الأعمدة في البلاد ، وقالوا : التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد ، والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ، فذكر نحوه .
وهذا قول لا وجه له ، لأن العماد واحد مذكر ، والتي للأنثى ، ولا يوصف المذكر بالتي ، ولو كان ذلك من صفة العِماد لقيل : الذي لم يخلق مثله في البلاد ، وإن جعلت التي لإرم ، وجعلت الهاء عائدة في قوله : مِثْلُها عليها وقيل : هي دِمشق أو إسكندرية ، فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال : وَاذْكُرْ أخا عَادٍ إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقافِ والأحقاف : هي جمع حِقْف ، وهو ما انعطف من الرمل وانحنى ، وليست الإسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال ، بل ذلك الشّحْر من بلاد حضرموت ، وما والاها .
و { البلاد } : جمعَ بَلَد وبلْدة وهي مساحة واسعة من الأرض معيَّنة بحدود أو سكان .
والتعريف في { البلاد } للجنس والمعنى : التي لم يخلق مثل تلك الأمة في الأرض . وأريد بالخلق خلق أجسادهم فقد رُوي أنهم كانوا طِوالاً شداداً أقوياء ، وكانوا أهل عقل وتدبير ، والعرب تضرب المثل بأحلام عاد ، ثم فسدت طباعهم بالترف فبطروا النعمة .
والظاهر أن لام التعريف هنا للاستغراق العُرفي ، أي في بلدان العرب وقبائلهم .
وقد وضع القصاصون حول قوله تعالى : { إرم ذات العماد } قصةً مكذوبة فزعموا أن { إرم ذات العماد } مركب جعل اسماً لمدينة باليَمن أو بالشام أو بمصر ، ووصفوا قصورها وبساتينها بأوصاف غير معتادة ، وتقوَّلوا أن أعرابياً يقال له : عبدُ الله بن قلابة كان في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان تاهَ في ابتغاء إبلٍ له فاطَّلع على هذه المدينة وأنه لما رجع أخبر الناس فذهبوا إلى المكان الذي زعم أنه وجَد فيه المدينة فلم يجدوا شيئاً . وهذه أكاذيب مخلوطة بجهالة إذ كيف يصح أن يكون اسمَها أرم ويتبع بذاتِ العماد بفتح { إرَمَ } وكسر { ذاتِ } فلو كان الاسم مركباً مَزْجياً لكان بناء جزأيْه على الفتح ، وإن كان الاسم مفرداً و { ذات } صفة له فلا وجه لكسر { ذات } ، على أن موقع هذا الاسم عقب قوله تعالى : { بعاد } يناكد ذلك كله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.