تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

{ 54 - 55 } { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }

أي : واذكر في القرآن الكريم ، هذا النبي العظيم ، الذي خرج منه الشعب العربي ، أفضل الشعوب وأجلها ، الذي منهم سيد ولد آدم .

{ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ } أي : لا يعد وعدا إلا وفى به . وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد ، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه [ له ]{[508]} وقال : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } وفى بذلك ومكن أباه من الذبح ، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان ، ثم وصفه بالرسالة والنبوة ، التي [ هي ] أكبر منن الله على عبده ، وأهلها{[509]} من الطبقة العليا من الخلق .


[508]:- زيادة من هامش ب.
[509]:- في ب: وجعله.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم ، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده ، ولا يخلف ، ولكنه كان إذا وعد ربه ، أو عبدا من عباده وعدا وفى به ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إنّهُ كانَ صَادِقَ الوَعْدِ قال : لم يَعِدْ ربه عِدة إلا أنجزها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن سهل بن عقيل ، حدّثه أن إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظلّ به إسماعيل ، وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا ، قال : إني نسيت ، قال : لم أكن لأبرح حتى تأتي ، فبذلك كان صادقا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

وقوله تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل } ، وهو أيضاً من لسان الصدق والشرف المضمون بقاؤه على آل إبراهيم عليه السلام ، و { إسماعيل } هو أبو العرب اليوم وذلك أن اليمينة والمضرية ترجع الى ولد { إسماعيل } وهو الذي أسكنه أبوه بواد غير ذي زرع وهو الذبيح في قوله الجمهور وقالت فرقة الذبيح إسحاق .

قال القاضي أبو محمد : والأول يترجح بجهات منها قول الله تبارك وتعالى : { ومن وراء إسحاق يعقوب }{[7980]} فولد قد بشر أبواه أنه سيكون منه ولد هو حفيد لهم كيف يؤمر بعد ذلك بذبحه وهذه العدة قد تقدمت ؟وجهة أخرى وهي أن أمر الذبح لا خلاف بين العلماء أنه كان بمنى عند مكة وما روي قد أن إسحاق دخل تلك البلاد ، وإسماعيل بها نشأ وكان أبوه يزور مراراً كثيرة يأتي من الشام ويرجع من يومه على البراق وهو مركب الأنبياء ، وجهة أخرى وهي قول النبي عليه السلام «أنا ابن الذبيحين »{[7981]} وهو أبوه عبدالله لأنه فدي بالإبل من الذبح ، والذبيح الثاني هو أبوه إسماعيل ، وجهة أخرى وهي الآيات في سورة الصافات وذلك أنه لما فرغ من ذكر الذبح وحاله ، قال

{ وبشرناه بإسحاق }{[7982]} [ الصافات : 112 ] ، فترتيب تلك الآيات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق ، ووصفه الله تعالى ب «صِدق الوعد » لأنه كان مبالغاً في ذلك ، روي أنه وعد رجلاً أن يلقاه في موضع فجاء إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس ، وفي كتاب ابن سلام أنه انتظره سنة وهذا بعيد غير صحيح والأول أصح ، وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث ، ذكره النقاش وخرجه الترمذي وغيره ، وذلك في مبايعة وتجارة{[7983]} وقيل وصفه ب «صدق الوعد » لوفائه بنفسه في أمر الذبح أذ قال { ستجدني إن شاء الله صابراً } [ الكهف : 69 ] وقال سفيان بن عيينة : أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العدة دين{[7984]} فناهيك بفضيلة الصدق » في هذا .


[7980]:من الآية (71) من سورة (هود).
[7981]:أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره، عن الصنابحي ، قال: "كنا عند معاوية ابن أبي سفيان، فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحق، فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، عد علي مما أفاء الله عليك يابن الذبيحين، فضحك عليه الصلاة والسلام، فقلنا له: يا أمير المؤمنين، و ما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله لئن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده، قال: فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله ، وقالوا: افد ابنك بمائة من الإبل. ففداه بمائة من الإبل. وإسماعيل الثاني".
[7982]:من الآية (112) من سورة (الصافات).
[7983]:خرجه الترمذي عن عبد الله بن الحمساء ورواه أبو داود في سننه، وأخرجه الخرائطي في كتابه (مكارم الأخلاق) عن ابن الحمساء، قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: " يا فتى لقد شققت علي، أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك"، واللفظ لأبي داود.
[7984]:العدة: الوعد، والهاء عوض عن الواو، ويجمع على عدات، ولا يجمع الوعد، وفي معنى العدة الوأي ، وفي الأثر (وأي المؤمن واجب)، أي في أخلاق المؤمنين، و مما يؤيد ما ذكره ابن عطية الحديث الذي أخرجه البخاري في (الكفالة) ، عن جابر رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا) ، فلم يجىء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا، فحثا لي حثية فعددتها فإذا هي خمسمائة، وقال: خذ مثليها. وحديث (العدة دين) أخرجه الطبراني في الأوسط عن علي وعن ابن مسعود، وقد رمز له الإمام السيوطي "في الجامع الصغير" بأنه حديث ضعيف.