قال الله تعالى : { وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } أي : لما نزل العذاب بجنته ، ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله لصاحبه : { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } فلم يدفعوا عنه من العذاب شيئا ، أشد ما كان إليهم حاجة ، وما كان بنفس منتصرا ، وكيف ينتصر ، أي : يكون له أنصارا على قضاء الله وقدره الذي إذا أمضاه وقدره ، لو اجتمع أهل السماء والأرض على إزالة شيء منه ، لم يقدروا ؟ "
ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه ، أن صاحب هذه الجنة ، التي أحيط بها ، تحسنت حاله ، ورزقه الله الإنابة إليه ، وراجع رشده ، وذهب تمرده وطغيانه ، بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه ، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه ، وعاقبه في الدنيا ، وإذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا . وفضل الله لا تحيط به الأوهام والعقول ، ولا ينكره إلا ظالم جهول .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمْ تَكُن لّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً * هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلّهِ الْحَقّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } .
يقول تعالى ذكره : ولم يكن لصاحب هاتين الجنتين فِئَة ، وهم الجماعة كما قال العَجّاج :
*** كمَا يَحُوزّ الفِئَةُ الكَمِيّ ***
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وإن خالف بعضهم في العبارة عنه عبارتنا ، فإن معناهم نظير معنانا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ قال : عشيرته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ولَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ : أي جند ينصرونه .
وقوله : يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ يقول : يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذّبه . وقوله وَما كانَ مُنْتَصِرا يقول : ولم يكن ممتنعا من عذاب الله إذا عذّبه ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كانَ مُنْتَصِرا : أي ممتنعا .
قوله : { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } موعظة وتنبيه على جزاء قوله : { وأعز نفراً } [ الكهف : 34 ] .
والفئة : الجماعة . وجملة { ينصرونه } صفة ، أي لم تكن له فئة هذه صفتها ، فإن فئته لم تغن عنه من عذاب الله .
وقوله : { وما كان منتصراً } أي ولا يكون له انتصار وتخلص من العذاب .
وقرأه الجمهور { ولم تكن } بمثناة فوقية اعتداداً بتأنيث { فئة } في اللفظ . وقرأه حمزة والكسائي وخلف « يكن » بالياء التحتية . والوجهان جائزان في الفعل إذا رفَع ما ليس بتحقيقي التأنيث .
وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر ، لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم ويملي لهم ويسْتدرجهم . وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير ، فإنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى التكذيب بوعد الله استحق عقاب الله بسلب تلك النعم عنه كما سلبت النعمة عن قارون حين قال : { إنما أوتيته على علم عندي } [ القصص : 78 ] . وبهذا كان هذا المثل موضع العبرة للمشركين الذين جعلوا النعمة وسيلة للترفع عن مجالس الدعوة لأنها تجمع قوماً يرونهم أحط منهم وطلبوا من النبي طردهم عن مجلسه كما تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.