تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

ومن جملة أقاويلهم فيه أن قالوا : هذا الذي جاء به محمد { أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ْ } أي : هذا قصص الأولين وأساطيرهم التي تتلقاها الأفواه وينقلها كل أحد استنسخها محمد { فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ْ } وهذا القول منهم فيه عدة عظائم :

منها : رميهم الرسول الذي هو أبر الناس وأصدقهم بالكذب والجرأة العظيمة .

ومنها : إخبارهم عن هذا القرآن الذي هو أصدق الكلام وأعظمه وأجله - بأنه كذب وافتراء .

ومنها : أن في ضمن ذلك أنهم قادرون أن يأتوا بمثله وأن يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه للخالق الكامل من كل وجه بصفة من صفاته ، وهي الكلام .

ومنها : أن الرسول قد علمت حالته وهم أشد الناس علما بها ، أنه لا يكتب ولا يجتمع بمن يكتب له وقد زعموا ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوَاْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنّهُ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً } .

ذكر أن هذه الاَية نزلت في النّضْر بن الحارث ، وأنه المعنيّ بقوله : وَقالُوا أساطيرُ الأوّلِينَ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا شيخ من أهل مصر ، قدم منذ بضع وأربعين سنة ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : كان النّضْر بن الحارث بن كَلَدَة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيّ من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قَدِم الحِيرة ، تعلّم بها أحاديث ملوك فارس وأحاديث رُسْتَم وأسفنديار ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسا فذكّر بالله وحدّث قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلَفه في مجلسه إذا قام ، ثم يقول : أنا والله يا معشر قُريش أحسن حديثا منه ، فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدّثهم عن ملوك فارس ورسْتَم وأسفنديار ، ثم يقول : ما محمد أحسن حديثا مني قال : فأنزل الله تبارك وتعالى في النضر ثمانيَ آيات من القرآن ، قوله : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطيرُ الأوّلينَ وكلّ ما ذُكِر فيه الأساطير في القرآن .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس نحوه ، إلاّ أنه جعل قوله : «فأنزل الله في النضْر ثماني آيات » ، عن ابن إسحاق ، عن الكلْبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : أساطِيرُ الأوّلينَ أشعارهم وكَهانتهم وقالها النضر بن الحارث .

فتأويل الكلام : وقال هؤلاء المشركون بالله الذين قالوا لهذا القرآن إن هذا إلاّ إفك افتراه محمد صلى الله عليه وسلم : هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأوّلين ، يَعنُون أحاديثهم التي كانوا يُسَطّرونها في كتبهم ، اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم من يهود . فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ يعنون بقوله : فَهِي تُمْلَى عَلَيْهِ فهذه الأساطير تُقرأ عليه ، من قولهم : أمليت عليك الكتاب وأملَلْت . بُكْرَةً وأصِيلاً يقول : وتملَى عليه غُدْوة وعشيّا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

{ وقالوا أساطير الأولين } ما سطره المتقدمون . { اكتتبها } كتبها لنفسه أو استكتبها . وقرىء على البناء للمفعول لأنه أمي وأصله : اكتتبها كاتب له ، فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف الفاعل وبني الفعل للضمير فاستتر فيه . { فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } ليحفظها فإنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب أو لتكتب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

الضمير عائد إلى الذين كفروا ، فمدلول الصلة مراعى في هذا الضمير إيماء إلى أن هذا القول من آثار كفرهم .

الأساطير : جمع أسطورة بضم الهمزة كالأُحدوثة والأحاديث ، والأُغلوطة والأغاليط ، وهي القصة المسطورة . وقد تقدم معناها مفصلاً عند قوله : { حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين } في سورة الأنعام ( 25 ) . وقائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث العبدري قال : إن القرآن قصص من قصص الماضين . وكان النضر هذا قد تعلم بالحيرة قصص ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار فكان يقول لقريش : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً من محمد فهلُمَّ أحدثكم ؛ وكان يقول في القرآن : هو أساطير الأولين . قال ابن عباس : كل ما ذكر فيه أساطير الأولين في القرآن فالمقصود منه قول النضر بن الحارث . وقد تقدم هذا في سورة الأنعام وفي أول سورة يوسف .

وجملة : { اكتتبها } نعت أو حال ل { أساطير الأولين } .

والاكتتاب : افتعال من الكتابة ، وصيغة الافتعال تدل على التكلف لحصول الفعل ، أي حصوله من فاعل الفعل ، فيفيد قوله : { اكتتبها } أنه تكلف أن يكتبها . ومعنى هذا التكلف أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان أميّاً كان إسناد الكتابة إليه إسناداً مجازياً فيؤول المعنى : أنه سأل من يكتبها له ، أي ينقلها ، فكان إسناد الاكتتاب إليه إسناداً مجازياً لأنه سببه ، والقرينة ما هو مقرر لدى الجميع من أنه أميّ لا يكتب ، ومن قوله : { فهي تملى عليه } لأنه لو كتبها لنفسه لكان يقرأها بنفسه . فالمعنى : استنسخها . وهذا كله حكاية لكلام النضر بلفظه أو بمعناه ، ومراد النضر بهذا الوصف ترويج بهتانه لأنه علم أن هذا الزور مكشوف قد لا يُقبل عند الناس لعلمهم بأن النبي أميّ فكيف يستمد قرآنه من كتب الأولين فهيَّأ لقبول ذلك أنه كتبت له ، فاتخذها عنده فهو يناولها لمن يحسن القراءة فيملي عليه ما يقصه القرآن .

والإملاء : هو الإملال وهو إلقاء الكلام لمن يكتب ألفاظه أو يرويها أو يحفظها . وتفريع الإملاء على الاكتتاب كان بالنظر إلى أن إملاءها عليه ليقرأها أو ليحفظها .

والبُكْرة : أول النهار . والأصيل : آخر المساء ، وتقدم في قوله : { بالغدوّ والآصال } في آخر الأعراف ( 205 ) ، أي تملى عليه طرفي النهار . وهذا مستعمل كناية عن كثرة الممارسة لتلقي الأساطير .