فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

ثم ذكر الشبهة الثانية فقال :

{ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي أحاديثهم ، وما سطروه من الأخبار مثل خبر رستم وإسفنديار . قال الزجاج : واحد الأساطير أسطورة ، مثل أحاديث وأحدوثة ، وقال غيره : جمع أسطار ، مثل أقاويل وأقوال { اكْتَتَبَهَا } أي استكتبها أو كتبها لنفسه ، أو المعنى جمعها من الكتب ، وهو الجمع لأمر الكتابة بالقلم ، والأول أولى . ومحل اكتتبها النصب على الحال ، أو الرفع على أنه خبر ثان . وقرئ اكتتبها مبنيا للمفعول والمعنى اكتتبها له كاتب ، لأنه كان أميا لا يكتب ولا يقرأ .

{ فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ } أي تلقى عليه تلك الأساطير بعدما اكتتبها ليحفظها من أفواه من يملكها عليه من ذلك المكتتب . لكونه أميا لا يقدر على أن يقرأها من ذلك المكتوب بنفسه . أو المعنى أراد اكتتابها فهي تملي عليه لأنه يقال أمليت عليه فهو يكتب { بُكْرَةً وَأَصِيلًا } أي غدوة وعشيا ، كأنهم قالوا : إن هؤلاء يعلمون محمدا صلى الله عليه وسلم ، طرفي النهار ، وقيل معنى بكرة وأصيلا دائما في جميع الأوقات فأجاب الله سبحانه عن هذه الشبهة بقوله :

{ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( 6 ) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( 7 ) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ( 8 ) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ( 9 ) تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ( 10 ) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ( 11 ) } .