السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا} (5)

الشبهة الثانية : قوله تعالى : { وقالوا أساطير الأولين } أي : ما سطره الأولون من أكاذيبهم جمع أسطورة بالضم كأحدوثة ، أو أسطار { اكتتبها } أي : تطلب كتابتها له من ذلك القوم وأخذها ، والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله تعالى إنما هو مما سطره الأولون الأول كأحاديث رستم واسفنديار استنسخها محمد من أهل الكتاب { فهي } أي : فتسبب عن تكلفه ذلك أنها { تملى عليه } أي : تقرأ عليه ليحفظها { بكرة } قبل أن تنتشر الناس { وأصيلا } أي : عشياً حين يأوون إلى مساكنهم ، أو دائماً ليتكلف حفظها بالانتساخ ؛ لأنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب ، أو ليكتب وهذا كما ترى لا يقوله من له مسكة في عقل ، أو مروءة كيف وهو يدعوهم إلى المعارضة ولو بسورة من مثله وفيهم الكتّاب والشعراء والبلغاء والخطباء ، وهم أكثر منه مالاً وأعظم أعواناً ولا يقدرون على شيء منه ، فإن قيل : كيف ؟ قيل : اكتتبها فهي تملى عليه ، وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتبها ؟ أجيب : بوجهين : أحدهما : أراد اكتتابها وطلبه ، فهي تملى عليه ، الثاني : أنها كتبت له وهو أمي فهي تملى أي : تلقى عليه من كتاب ليحفظها ؛ لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب ، وقرأ { فهي } قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بكسرها .