{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } من حر إلى برد ، ومن برد إلى حر ، من ليل إلى نهار ، ومن نهار إلى ليل ، ويديل الأيام بين عباده ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } أي : لذوي البصائر ، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها ، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية . فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها ، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة ، بمنزلة نظر البهائم .
وقوله : يُقَلّبُ اللّهُ اللّيْلَ والنّهارَ يقول : يُعْقِب الله بين الليل والنهار ويصرفهما ، إذا أذهب هذا جاء هذا ، وإذا أَذهب هذا جاء هذا . إنّ فِي ذلكَ لَعِبْرَةً لاِولي الأبْصَارِ يقول : إنّ في إنشاء الله السحاب وإنزاله منه الوَدّقَ ومن السماء البردَ وفي تقليبه الليل والنهار ، لعبرةً لمن اعتبر به وعظةً لمن اتعظ به ممن له فهم وعقل لأن ذلك ينبىء ويدلّ على أنه له مدبّرا ومصرّفا ومقلّبا ، لا يشبهه شيء .
{ يقلب الله الليل والنهار } بالمعاقبة بينهما أبو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور أو بما يعم ذلك . { إن في ذلك } فيما تتقدم ذكره . { لعبرة لأولي الأبصار } لدلالة على وجود الصانع القديم وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيئته وتنزهه عن الحاجة وما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة .
التقليب تغيير هيئة إلى ضدها ومنه { فأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها } [ الكهف : 42 ] أي يدير كفيه من ظاهر إلى باطن ، فتقليب الليل والنهار تغيير الأفق من حالة الليل إلى حالة الضياء ومن حالة النهار إلى حالة الظلام ، فالمقلَّب هو الجو بما يختلف عليه من الأعراض ولكن لما كانت حالة ظلمة الجو تُسمى ليلاً وحالة نوره تسمى نهاراً عُبر عن الجو في حالتيه بهما ، وعدي التقليب إليهما بهذا الاعتبار .
ومما يدخل في معنى التقليب تغيير هيئة الليل والنهار بالطول والقصر . ولرعي تكرر التقلب بمعنييه عبر بالمضارع المقتضي للتكرر والتجدد .
والكلام استئناف . وجيء به مستأنفاً غير معطوف على آيات الاعتبار المذكورة قبله لأنه أريد الانتقال من الاستدلال بما قد يخفى على بعض الأبصار إلى الاستدلال بما يشاهده كل ذي بصر كل يوم وكل شهر فهو لا يكاد يخفى على ذي بصر . وهذا تدرج في موقع هذه الجملة عقب جملة { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } [ النور : 43 ] كما أشرنا إليه آنفاً . ولذلك فالمقصود من الكلام هو جملة { إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار } ، ولكن بني نظم الكلام على تقديم الجملة الفعلية لما تقتضيه من إفادة التجدد بخلاف أن يقال : إن في تقليب الليل والنهار لعبرة .
والإشارة الواقعة في قوله : { إن في ذلك } إلى ما تضمنه فعل { يقلب } من المصدر . أي إن في التقليب . ويرجح هذا القصد ذكر العبرة بلفظ المفرد المنكر .
والتأكيد ب { إن } إما لمجرد الاهتمام بالخبر وإما لتنزيل المشركين في تركهم الاعتبار بذلك منزلة من ينكر أن في ذلك عبرة .
وقيل : الإشارة بقوله : { إن في ذلك } إلى جميع ما ذكر آنفاً ابتداء من قوله : { ألم تر أن الله يزجي سحاباً } [ النور : 43 ] فيكون الإفراد في قوله : { لعبرة } ناظراً إلى أن مجموع ذلك يفيد جنس العبرة الجامعة لليقين بأن الله هو المتصرف في الكون .
ولم تَرد العبرة في القرآن معرّفة بلام الجنس ولا مذكورة بلفظ الجمع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.