{ يُقَلّبُ الله اليل والنهار } بإتيان أحدهما بعد الآخر أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد وغيرهما مما يقع فيهما من الأمور التي من جملتها ما ذكر من إزجاء السحاب وما ترتب عليه ، وكأن الجملة على هذا استئناف لبيان الحكمة فيما مر ، وعلى الأولين استئناف لبيان أنه عز وجل لا يتعاصاه ما تقدم من الإجاء وما بعده ، وقيل هي معطوفة على ما تقدم داخلة في حيز الرؤية وأسقط حرف العطف لقصد التعداد وهو كما ترى { إِنَّ فِى ذَلِكَ } إشارة إلى ما فصل آنفاً ، وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته { لَعِبْرَةً } لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء ونفاذ مشيئته وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي ، ودلالة ذلك على الوحدة بواسطة برهان التمانع وإلا ففيه خفاء بخلاف دلالته على ما عدا ذلك فإنها واضحة { لاِوْلِى الابصار } أي لكل من له بصيرة يراجعها ويعملها فالأبصار هنا جمع بصر بمعنى البصيرة بخلافها فيما سبق . وقيل : هو بمعنى البصر الظاهر كما هو المتبادر منه ، والتعبير بذلك دون البصائر للإيذان بوضوح الدلالة .
وتعقب بأنه يلزم عليه ذهاب حسن التجنيس وارتكاب ما هو كالإيطاء ، واشتهر أنه ليس في القرآن جناس تام غير ما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } [ الروم : 55 ] وفيه كلام نقله السيوطي في الإتقان ناشىء عند من دقق النظر من عدم الإتقان ، واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني موضعاً آخر وهو هذه الآية الكريمة وهو لا يتم إلا على ما قلنا ، وأشار إليه البيضاوي وغيره ولعل من اختار المتبادر راعى أن حسن تلك الإشارة فوق حسن التجنيس فتأمل .
ومن باب الإشارة : { يُقَلّبُ الله الليل والنهار } [ النور : 44 ] إشارة إلى ليل المحو ونهار الصحو أو ليل القبض ونهار البسط أو ليل الجلال ونهار الجمال أو نحو ذلك . وقيل : يزجى سحاب المعاصي إلى أن يتراكم فترى مطر التوبة يخرج من خلاله كما خرج من سحاب { وعصى ءادَمَ } [ طه : 121 ] مطر { ثُمَّ اجتباه } [ طه : 122 ] ربه وينزل من سماء القلوب من جبال القسوة فيها من برد القهر يقلب الله ليل المعصية لمن يشاء إلى نهار الطاعة وبالعكس
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.