{ 25 - 28 } { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
أي : ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لعلموا أن أصنامهم ، ما خلقت شيئا من ذلك ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده .
ف { قُلِ } لهم ملزما لهم ، ومحتجا عليهم بما أقروا به ، على ما أنكروا : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } الذي بيَّن النور ، وأظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم ، فلو كانوا يعلمون ، لجزموا أن المنفرد بالخلق والتدبير ، هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد .
ولكن { أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك أشركوا به غيره ، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه ، على وجه الحيرة والشك ، لا على وجه البصيرة ، ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجا من سعة أوصافه ، ليدعو عباده إلى معرفته ، ومحبته ، وإخلاص الدين له .
فذكر عموم ملكه ، وأن جميع ما في السماوات والأرض - وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي - أنه ملكه ، يتصرف فيهم بأحكام الملك القدرية ، وأحكامه الأمرية ، وأحكامه الجزائية ، فكلهم عييد مماليك ، مدبرون مسخرون ، ليس لهم من الملك شيء ، وأنه واسع الغنى ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أحد من الخلق . { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ إِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ } .
يقول تعالى ذكره : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَيَقُولُنّ اللّهُ ، قُلِ الحَمْدُ لِلّهِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ، فإذا قالوا ذلك ، فقل لهم : الحمد لله الذي خلق ذلك ، لا لمن لا يخلق شيئا وهم يخلقون . ثم قال تعالى ذكره : بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يعْلَمون يقول : بل أكثر هؤلاء المشركون لا يعلمون من الذي له الحمد ، وأين موضع الشكر .
ثم أقام عليه الحجة في أمر الأصنام بأنهم يقرون بأن الله تعالى خالق المخلوقات ويدعون مع ذلك إلهاً غيره ، والمعنى { قل الحمد لله } على ظهور الحجة عليكم ، وقوله تعالى : { بل أكثرهم } إضراب عن مقدر تقديره ليس دعواهم بحق ونحو هذا ، وقوله { أكثرهم } على أصله لأن منهم من شذ فعلم كزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، ويحتمل أن تكون الإشارة أيضاً إلى من هو معد أن يسلم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك "مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَيَقُولُنّ اللّهُ، قُلِ الحَمْدُ لِلّهِ "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد، فإذا قالوا ذلك، فقل لهم: الحمد لله الذي خلق ذلك، لا لمن لا يخلق شيئا وهم يخلقون. ثم قال تعالى ذكره: "بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يعْلَمون" يقول: بل أكثر هؤلاء المشركون لا يعلمون من الذي له الحمد، وأين موضع الشكر.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"الحمد لله" على هدايته وتوفيقه لنا بالمعرفة له.
"بل أكثرهم لا يعلمون" أنكم وفقكم الله لمعرفته.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قُلِ الحمد لِلَّهِ} إلزام لهم على إقرارهم بأنّ الذي خلق السموات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر. وأن لا يعبد معه غيره.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنّ ذلك يلزمهم، وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" بل أكثرهم لا يعلمون "أي لا ينظرون ولا يتدبرون.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{قُلِ الحمد لِلَّهِ} على أنْ جعلَ دلائلَ التَّوحيدِ بحيثُ لا يكادُ ينكرها المكابرون أيضاً.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ولكن {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فلذلك أشركوا به غيره، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه، على وجه الحيرة والشك، لا على وجه البصيرة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يقفهم أمام منطق فطرتهم، حين تواجه الكون، فلا تجد مناصا من الاعتراف بالحقيقة الكامنة فيها وفي فطرة الكون على السواء؛ ولكنهم يزيغون عنها وينحرفون، ويغفلون منطقها القويم:
(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض؟ ليقولن: الله. قل: الحمد لله. بل أكثرهم لا يعلمون. لله ما في السماوات والأرض. إن الله هو الغني الحميد)..
وما يملك الإنسان حين يستفتي فطرته ويعود إلى ضميره أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة الناطقة. فهذه السماوات والأرض قائمة. مقدرة أوضاعها وأحجامها وحركاتها وأبعادها، وخواصها وصفاتها. مقدرة تقديرا يبدو فيه القصد، كما يبدو فيه التناسق. وهي قبل ذلك خلائق لا يدعي أحد أنه خلقها؛ ولا يدعي أحد أن خالقا آخر غير الله شارك فيها؛ ولا يمكن أن توجد هكذا بذاتها. ثم لا يمكن أن تنتظم وتتسق وتقوم وتتناسق بدون تدبير، وبدون مدبر. والقول بأنها وجدت وقامت تلقائيا أو فلتة أو مصادفة لا يستحق احترام المناقشة. فضلا على أن الفطرة من أعماقها تنكره وترده.
وأولئك الذين كانوا يواجهون عقيدة التوحيد بالشرك؛ ويقابلون دعوة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالجدال العنيف؛ لم يكونوا يستطيعون أن يزيفوا منطق فطرتهم حين تواجه بالدليل الكوني الممثل في وجود السماوات والأرض، وقيامهما أمام العين، لا تحتاجان إلى أكثر من النظر!
ومن ثم لم يكونوا يتلجلجون في الجواب: لو سئلوا: (من خلق السماوات والأرض؟) وجوابهم: (الله).. لذلك يوجه الله رسوله [صلى الله عليه وسلم] ليعقب على جوابهم هذا بحمد الله: (قل: الحمد لله).. الحمد لله على وضوح الحق في الفطرة، والحمد لله على هذا الإقرار القهري أمام الدليل الكوني. والحمد لله على كل حال. ثم يضرب عن الجدل والتعقيب بتعقيب آخر: (بل أكثرهم لا يعلمون).. ومن ثم يجادلون ويجهلون منطق الفطرة، ودلالة هذا الكون على خالقه العظيم.
وبمناسبة إقرار فطرتهم بخلق الله للسماوات والأرض يقرر كذلك ملكية الله المطلقة لكل ما في السماوات والأرض. ما سخره للإنسان وما لم يسخره. وهو مع ذلك الغني عن كل ما في السماوات والأرض، المحمود بذاته ولو لم يتوجه إليه الناس بالحمد:
(لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وإن سألهم سائل: مَن خلق السماوات والأرض يقولوا خلقهن الله، وذلك تسخيف لعقولهم التي تجمع بين الإقرار لله بالخلق وبين اعتقاد إلهية غيره.
والمراد بالسماوات والأرض: ما يشمل ما فيها من المخلوقات ومن بين ذلك حجارة الأصنام.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
{قل الحمد لله} تلقين لكل مؤمن أن يحمد الله ويشكره على ما هداه إليه من نعمة الإيمان، إذ لا نعمة تعادلها بالنسبة لسعادة الإنسان.